للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الإيمان، في مسألة معنى زيادة الإيمان، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: دلت الآية على أن الزيادة في الإيمان لم تقتصر على الثبات في أرض المعركة بل كانت في صورة الإذعان النفسي والشعور القلبي بنصر الله، وتبعها الزيادة في العمل مهما حاول الأعداء صدهم عن ذلك، فالإيمان قول وعمل، وزيادته كذلك في القول والعمل، وهذا التفصيل لمعنى زيادة الإيمان وأنه لا يختص بالأعمال فقط بل يشمل أعمال القلوب، فيه رد على من يقول: إن الإيمان تصديق بالقلب فقط، ورد كذلك على من يقول إن الناس في التصديق سواء، وإعمالاً لقاعدة: الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

قال ابن جرير: "يقول: فزادهم ذلك من تخويف من خوَّفهم أمرَ أبي سفيان وأصحابه من المشركين، يقينًا إلى يقينهم، وتصديقًا لله ولوعده ووعد رسوله إلى تصديقهم، ولم يثنهم ذلك عن وجههم الذي أمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالسير فيه، ولكن ساروا حتى بلغوا رضوان الله منه" (١).

قال الرازي: "المراد بالزيادة في الإيمان أنهم لما سمعوا هذا الكلام المخوف لم يلتفتوا إليه، بل حدث في قلوبهم عزم متأكد على محاربة الكفار، وعلى طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يأمر به وينهى عنه ثقل ذلك أو خف، لأنه قد كان فيهم من به جراحات عظيمة، وكانوا محتاجين إلى المداواة، وحدث في قلوبهم وثوق بأن الله ينصرهم على أعدائهم ويؤيدهم في هذه المحاربة" (٢).

قال البيضاوي: "وهو دليل على أن الإيمان يزيد وينقص" (٣)، ومثله السيوطي في الإكليل (٤).

[[الإيمان بالرسل متضمن للإيمان بالغيب]]

قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩)} [سورة آل عمران: ١٧٩]

١٥. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وعلى هذا يكون قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) متضمنا للإيمان بما أخبر به رسله من خبر الغيب وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم أي إن أنتم آمنتم بما جاءوا به من خبر الغيب " (٥).


(١) جامع البيان في تأويل آي القرآن (٧/ ٤٠٥).
(٢) مفاتيح الغيب (٩/ ٤٣٤).
(٣) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ٤٩).
(٤) الإكليل في استنباط التنزيل (٢/ ٩٤٣).
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٤/ ٢٠٩).

<<  <   >  >>