للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[التجارة قائمة على توثيق الحقوق بالكتابة]]

قال تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} [سورة البقرة: ٢٨٢].

٥٨. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "نفي الجناح إشارة إلى أن كتابة ذلك أولى، وهو إرشاد إلى استحباب ضبط الإنسان لماله وإحصائه لما يرد عليه وما يصدر عنه، وذلك من الكمال المدني ومن أسباب ارتقاء أمور الكسب ولم يجعل هذا حتما؛ لأنه مما يشق على غير المرتقين في المدنية، والترخيص فيه دليل على وجوب كتابة الديون المؤجلة كما هو ظاهر مما تقدم" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب الحقوق وإثباتها، في مسألة التجارة قائمة على توثيق الحقوق بالكتابة، بدلالة الأسلوب.

وجه الاستنباط: الكتابة هي الأصل في التجارة حفظا للأموال وضبطا لها، وهذا مما يعرف في علم المحاسبة بقيد المال الصادر والوارد في جميع المعاملات المالية، وهو من أساسيات الارتقاء والتحضر والجودة إذ لا بد من وجود وثائق لكل شيء.

قال الكيا هراسي: "قوله تعالى في التجارة: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها) وفرقة بينها وبين المؤجل يوهم بظاهره، أن عليهم كتب الدين المؤجل والإشهاد فيه وأن الجناح يلحقهم إذا لم يكتبوها، ويبعد أن يقال في ترك المندوب إن عليه جناحا، ففي التجارة الحاضرة إن كان ترك الشهادة دليلا على كون الشهادة مندوبا إليها، فتارك المندوب لا جناح عليه" (٢).

قال ابن عاشور: "وقوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} تصريح بمفهوم الاستثناء، مع ما في زيادة قوله: {جُنَاحٌ} من الإشارة إلى أن هذا الحكم رخصة، لأن رفع الجناح مؤذن بأن الكتابة أولى وأحسن" (٣).

قال ابن عثيمين: "ومن فوائد الآية: أنه لا يجب كتابة التجارة الحاضرة المدارة - ولو كان ثمنها غير منقود؛ بخلاف ما إذا تداين بدين إلى أجل مسمى؛ فإنه تجب كتابة الدَّين على ما سبق من الخلاف في ذلك؛ لقوله تعالى: {فليس عليكم جناح ألا تكتبوها} " (٤).

[[العذر في وجوب كتابة الدين في السفر وبديله]]

قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣)} [سورة البقرة: ٢٨٣]


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٣/ ١٠٦).
(٢) أحكام القرآن، الكيا هراسي (١/ ٢٦٢).
(٣) التحرير والتنوير (٢/ ٥٨٠).
(٤) تفسير القرآن للعثيمين (٥/ ٣٢٩).

<<  <   >  >>