للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذا ابن عثيمين، قال: "من فوائد الآية: ضرب الأمثال؛ وهو تشبيه المعقول بالمحسوس؛ لأن ذلك أقرب إلى الفهم" (١).

[[العرف وأهميته وحجيته في الأحكام الشرعية]]

قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)} [سورة الأعراف: ١٩٩]

١٦. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "والقول الجامع: أن العرب تطلق المعروف على ضد المنكر وعلى ضد المجهول، والمنكر هو المستقبح عند الناس الذي ينفرون منه لقبحه أو ضرره، ويذمونه ويذمون أهله، والأمر به في هذه السورة المكية التي نزلت في أصول الدين وكليات التشريع، يثبت لنا أن العرف أو المعروف أحد هذه الأركان للآداب الدينية والتشريع الإسلامي، وهو مبني على اعتبار عادات الأمة الحسنة، وما تتواطأ عليه من الأمور النافعة في مصالحها" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب أصول الاستدلال، في مسألة العرف (٣) وأهميته وحجيته في الأحكام الشرعية، بدلالة اللفظ.

وجه الاستنباط: العرف أحد الأدلة الشرعية المعتبرة في الأحكام، ودلل الشيخ على مشروعيته، فقال: "إن كتاب الله عز وجل قد قيد طاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالمعروف في عقد مبايعته -صلى الله عليه وسلم- للنساء قال عز وجل في سورة الممتحنة: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم} (٦٠: ١٢) ومن المعلوم أن عقد المبايعة أعظم العقود في الأمم والدول، فتقييد طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيه بالمعروف دليل على أن التزام المعروف من أعظم أركان هذا الدين وشرعه، ومن المعلوم في السنة أن مبايعته -صلى الله عليه وسلم- للرجال كانت مبنية على أصل مبايعته للنساء المنصوص في هذه الآية، وقال -صلى الله عليه وسلم-: إنما الطاعة في المعروف وهو في مواضع من الصحيح" (٤).

قال أبو جعفر: "والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يأمر الناس بالعرف وهو المعروف في كلام العرب، مصدر في معنى: "المعروف"، وكل ما أمر الله به من الأعمال أو ندب إليه، فهو من العرف، ولم يخصص الله من ذلك معنى دون معنى، فالحق فيه أن يقال: قد أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يأمر عباده بالمعروف كله، لا ببعض معانيه دون بعض" (٥).


(١) تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (٣/ ٣٠٩).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٩/ ٤٤٦).
(٣) وهو: ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول وتلقته الطبائع بالقبول، التعريفات (ص: ١٤٩).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٩/ ٤٤٦).
(٥) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١٣/ ٣٣١).

<<  <   >  >>