للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن سعدي: "في هذه الآية دليل على أن الأقوال التي تصدر من الأشخاص، ليست دليلا على صدق ولا كذب، ولا بر ولا فجور حتى يوجد العمل المصدق لها، المزكي لها وأنه ينبغي اختبار أحوال الشهود، والمحق والمبطل من الناس، بسبر أعمالهم، والنظر لقرائن أحوالهم، وألا يغتر بتمويههم وتزكيتهم أنفسهم" (١).

[[النصح والإرشاد لا ينافي العزة]]

قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (٢٠٦)} [سورة البقرة: ٢٠٦]

٣٥. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وعبر عن الكبرياء والحمية بالعزة؛ للإشعار بوجه الشبهة للنفس الأمارة بالسوء وهو تخيلها النصح والإرشاد ذلة تنافي العزة المطلوبة" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا لغويا، في باب دلالات الألفاظ، في مسألة النصح والإرشاد لا ينافي العزة، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: لفظ العزة من الألفاظ المحمودة، التي إذا استخدمت في غير محلها، فإنها تطغي الإنسان وتثير فيه الحمية والعصبية، وتبعده عن قبول الحق مهما كان، فتتمثلها النفس الأمارة بالسوء فتزين لصاحبها وتغريه حتى ينساق لها ظنا منه أنه على حق، فجاء التحذير من هذه الخصال، وأن العزة لا تكون إلا لله ولرسوله، وفيما يرضيهما من إقامة شرع الله.

قال جمع من المفسرين: إن المراد بالعزة هي الأنفة والحمية على فعل الإثم وهو التكبر (٣).

قال القرطبي: "قال قتادة: المعنى إذا قيل له مهلا ازداد إقداما على المعصية، والمعنى حملته العزة على الإثم، وقيل: أخذته العزة بما يؤثمه، أي ارتكب الكفر للعزة وحمية الجاهلية، ونظيره: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [سورة ص: ٢]، وقيل: الباء في "بِالْإِثْمِ" بمعنى اللام، أي أخذته العزة والحمية عن قبول الوعظ للإثم الذي في قلبه، وهو النفاق" (٤)، وكذا قال البغوي (٥).

قال الزمخشري: "أي حملته العزة التي فيه وحمية الجاهلية على الإثم الذي ينهى عنه، وألزمته ارتكابه، وألا يخلى عنه ضرارا ولجاجا، أو على ردّ قول الواعظ" (٦).


(١) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (١/ ٩٣).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٢٠٠).
(٣) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (١/ ٤٩١)، ومفاتيح الغيب (٥/ ٣٤٩).
(٤) الجامع لأحكام القرآن (٣/ ١٩).
(٥) معالم التنزيل في تفسير القرآن (١/ ٢٣٦).
(٦) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٢٥١).

<<  <   >  >>