للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[حكم أقوال وأفعال الأنبياء في غير الدعوة والتشريع]]

قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (٦٤)} [سورة النساء: ٦٤]

٩. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "الآية تدل على وجوب طاعتهم فيما يأمرون أو يحكمون به، فالممتنع أن يحكموا أو يأمروا بخلاف ما أنزله الله تعالى عليهم، وأما أفعالهم التي لم يأمروا بها ولم يحكموا بها فلا تدل الآية على وجوب اتباعهم فيها، وإن كانت من أكبر الطاعات في نفسها" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب النبوات، في مسألة حكم أقوال وأفعال الأنبياء في غير الدعوة والتشريع، بدلالة المخالفة.

وجه الاستنباط: فرق الشيخ بين متى تجب طاعة الرسل ومتى لا تجب، فبين أن الآية توجب طاعتهم في الأوامر والنواهي وما يحكمون به، لأنه لا يتصور أنهم يحكمون بخلاف ما أمر الله، وبين أنه لا تجب طاعتهم في أفعالهم التي لم يأمروا بها.

ويتبين ذلك من تقسيم العلماء لأفعال وأقوال الأنبياء إلى أقوال وأفعال تشريعية وجبلية وعادية، وماكانت من خصائصهم دون غيرهم.

وقد وجه الباحث في استنباطات السعدي، كلام الشيخ رشيد، فقال: "وما ذهب إليه محمد رشيد هو الذي تدل عليه الآية، فإن الأمر بطاعتهم مطلقا لا يلزم منه عصمتهم في كل شيء، بل ربما يقع منهم ما هو خلاف ذلك ثم يأتي التنبيه عليه، بل ربما يقع العتاب عليهم من الله سبحانه وتعالى، والله أعلم" (٢).

وما ذكره المفسرون أن الآية أوجبت طاعتهم مطلقا، ومن ذلك ما قاله البغوي: " {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} أي: بأمر الله لأن طاعة الرسول وجبت بأمر الله، قال الزجاج: ليطاع بإذن الله لأن الله قد أذن فيه وأمر به، وقيل: إلا ليطاع كلام تام كاف، بإذن الله تعالى أي: بعلم الله وقضائه، أي: وقوع طاعته يكون بإذن الله" (٣).

وقال الرازي: "الآية دالة على أن الأنبياء عليهم السلام معصومون عن المعاصي والذنوب لأنها دلت على وجوب طاعتهم مطلقا، فلو أتوا بمعصية لوجب علينا الاقتداء بهم في تلك المعصية فتصير تلك المعصية واجبة علينا، وكونها معصية يوجب كونها محرمة علينا، فيلزم توارد الإيجاب والتحريم على الشيء الواحد وأنه محال" (٤)، وكذا الهرري (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ١٨٩)
(٢) انظر: استنباطات السعدي (٣٨٣).
(٣) معالم التنزيل في تفسير القرآن (٢/ ٢٤٤).
(٤) مفاتيح الغيب (١٠/ ١٢٦).
(٥) تفسير حدائق الروح والريحان (٦/ ١٧٨).

<<  <   >  >>