للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[استنباطات سورة الأنعام]

[[الشرك بالله أمر تنكره الفطرة والعقل]]

قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١)} [سورة الأنعام: ١]

١. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وقد عطفت بثم الدالة على بعد ما بين مدلولي المعطوف والمعطوف عليه، لإفادة استبعاد ما فعله الكافرون وكونه ضد ما كان يجب عليهم للإله الحقيق بجميع المحامد، لكونه هو الخالق لجميع الكون العلوي والسفلي وما فيه من الظلمات الحسية والمعنوية، والهادي لما فيه من النور الذي يهتدي به الموفقون في كل ظلمة منها، كأنه قال: وهم مع ذلك يعدلون به غيره أي يجعلونه عدلا له، أي عديلا مساويا له في كونه يعبد ويدعى لكشف الضر وجلب النفع، فهو بمعنى يشركون به، ويتخذون له أندادا" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب توحيد الألوهية، في مسألة الشرك بالله أمر تنكره الفطرة والعقل، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: ابتدأ الله عز وجل السورة بالحمد والثناء على نفسه، وأنه الخالق المدبر لكل شيء، وأن ذلك لحكمة وغاية تتحقق بتوحيد الخلق له عز وجل، ثم كيف أن الكافرين بربهم أشركوا وعدلوا به غيره، وفي هذا تقبيح لما فعله هؤلاء المشركين، الذين جعلوا لله أندادا، يدعونهم من دون الله الخالق لجميع الكون العلوي والسفلي، فناسب أن يعطف بثم لاستلزامه معنى التوبيخ والتقريع عليهم، وإنكار أمر دلت عليه الفطرة قبل كل شيء.

وقد ذكر هذا المعنى جمع من المفسرين منهم ابن عطية فقال: "وقوله تعالى: ثُمَّ دالة على قبح فعل الَّذِينَ كَفَرُوا لأن المعنى أن خلقه (السموات والأرض) وغيرهما قد تقرر، وآياته قد سطعت، وأنعامه بذلك قد تبين ثم بعد هذا كله عدلوا بربهم، فهذا كما تقول: يا فلان أعطيتك وأكرمتك وأحسنت إليك ثم تشتمني، أي بعد مهلة من وقوع هذا كله، ولو وقع العطف في هذا ونحوه بالواو لم يلزم التوبيخ كلزومه" (٢).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٢٤٧).
(٢) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٢٦٦).

<<  <   >  >>