للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الزمخشري: "وهو الحق لما جاءهم يعني القرآن الذي تحدوا به على تبالغهم في الفصاحة فعجزوا عنه فسوف يأتيهم أنباء الشيء الذي كانوا به يستهزؤن وهو القرآن، أي: أخباره وأحواله، بمعنى: سيعلمون بأي شيء استهزءوا، وسيظهر لهم أنه لم يكن بموضع استهزاء، وذلك عند إرسال العذاب عليهم في الدنيا أو يوم القيامة، أو عند ظهور الإسلام وعلو كلمته" (١)، ومثله البيضاوي، والنسفي، وأبو حيان (٢).

[[الإسلام مبني على الدلائل والآيات المنافية للتقليد]]

قال تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٥)} [سورة الأنعام: ٤ - ٥]

٥. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وفي هذه الآيات عبرة لنا في حال الذين أضاعوا الدين، من أهل التقليد الجامدين، وأهل التفرنج الملحدين، فهي تنادي بقبح التقليد وتصرح بوجوب النظر في الآيات والاستدلال بها، وبأن التكذيب بالحق والحرمان منه معلول للإعراض عنها، وتثبت أن الإسلام دين مبني على أساس الدليل والبرهان، لا كالأديان المبنية على وعث التقليد للأحبار والرهبان" (٣).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الإيمان، في مسألة الإسلام مبني على الدلائل والآيات المنافية للتقليد، بدلالة مفهوم الآية.

وجه الاستنباط: العبرة والعظة من الدلائل العقلية العظيمة من الأدلة الشرعية التي يتميز بها الحق عن الباطل، وقد دعت الشريعة إلى النظر والاعتبار كثيرا، فكانت هذه الآية خاصية للشريعة الإسلامية لم تتحقق في غيرها، وما يحصل من الإعراض عن الحق يكون لسببين؛ الأول: عدم النظر في الآيات والأدلة والبراهين، والثاني: تقليد الأحبار والرهبان، والآية تبين أساس الدين الإسلامي الداعي إلى طلب الدليل، وذم التقليد وأهله، وبهذا يكون الإسلام دينا وشريعة يصلح وتصلح لكل عصر وجيل.

قال الرازي: "اعلم أنه تعالى لما تكلم، أولا: في التوحيد، وثانيا: في المعاد، وثالثا: فيما يقرر هذين المطلوبين ذكر بعده ما يتعلق بتقرير النبوة وبدأ فيه بأن بين كون هؤلاء الكفار معرضين عن تأمل الدلائل، غير ملتفتين إليها وهذه الآية تدل على أن التقليد باطل. والتأمل في الدلائل واجب، ولولا ذلك لما ذم الله المعرضين عن الدلائل" (٤).


(١) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٦).
(٢) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٥٤)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٤٩١)، البحر المحيط في التفسير (٤/ ٤٣٧).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٢٥٤).
(٤) مفاتيح الغيب (١٢/ ٤٨٣).

<<  <   >  >>