للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو حيان: "وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون: لما ذكر تعالى الدلالة على فساد عبادة الأصنام، ذكر الحامل على ذلك وهو الاختلاف الحادث بين الناس، والظاهر عموم الناس" (١).

قال ابن عاشور: "وجملة: ولولا كلمة سبقت من ربك إخبار بأن الحق واحد، وأن ذلك الاختلاف مذموم، وأنه لولا أن الله أراد إمهال البشر إلى يوم الجزاء لأراهم وجه الفصل في اختلافهم باستيصال المبطل وإبقاء المحق، وهذه الكلمة أجملت هنا وأشير إليها في سورة الشورى [١٤] بقوله: ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم" (٢).

[[الحق والباطل ضدان لا يجتمعان وعلى هذا فروع الدين والعلم]]

قال تعالى: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢)} [سورة يونس: ٣٢]

٣. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وفي الجملة إدماج بما يسمونه الاحتباك"، ثم قال: "وفي الآية من قواعد العقائد الدينية وأصول التشريع والعلم، أن الحق والباطل فيهما ضدان لا يجتمعان، وأن الهدى والضلال ضدان لا يجتمعان، ولهذا الأصل فروع كثيرة في الدين والعلم العقلي، وفيها من حسنات الإيجاز في التعبير ما يسميه علماء البديع بالاحتباك، وهو أن يحذف من كل من المتقابلين ما يدل عليه مقابله في الآخر، وهو ظاهر في الآية أتم الظهور، وإن غفل عنه الجمهور" (٣).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الاعتصام، في مسألة الحق والباطل ضدان لا يجتمعان وعلى هذا فروع الدين والعلم، بدلالة اللزوم.

وجه الاستنباط: الحق والباطل ضدان لا يجتمعان، ولهذا الأصل فروع كثيرة في الدين والعلم، وفي الحذف من كل من المتقابلين ما يدل على المعنى الآخر، فحذف من الحق الهدى بدلالة الحق عليه، وحذف من الضلال الباطل لدلالته عليه، وفي هذا الحذف ما يفيد معنى الاستغراق والشمول لكل المعاني العظيمة المتضمن لها معنى الحق والباطل والهدى والضلال، وفي هذا إيجاز بليغ.

وقد تفرد الشيخ بهذا الاستنباط فلم يذكره أحد من المفسرين.

قال القرطبي: "قوله تعالى: "فذلكم الله ربكم الحق"، أي هذا الذي يفعل هذه الأشياء هو ربكم الحق، لا ما أشركتم معه، "فماذا بعد الحق"، "ذا" صلة أي ما بعد عبادة الإله الحق إذا تركت عبادته إلا الضلال، وقال بعض المتقدمين: ظاهر هذه الآية يدل على أن ما بعد الله هو الضلال، لأن أولها: " فذلكم الله ربكم الحق وآخرها: "فماذا بعد الحق إلا الضلال"، فهذا في الإيمان والكفر، وليس في الأعمال، وقال بعضهم: إن الكفر تغطية الحق، وكل ما كان غير الحق جرى هذا المجرى، فالحرام ضلال والمباح هدى، فإن الله هو المبيح والمحرم، والصحيح الأول" (٤).


(١) البحر المحيط في التفسير (٦/ ٢٨).
(٢) التحرير والتنوير (١١/ ١٢٩).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١١/ ٢٩٤ - ٢٩٣).
(٤) الجامع لأحكام القرآن (٨/ ٣٣٥).

<<  <   >  >>