للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن سعدي: " {سيجزيهم} الله {وصفهم} حين وصفوا ما أحله الله بأنه حرام، ووصفوا الحرام بالحلال، فناقضوا شرع الله وخالفوه، ونسبوا ذلك إلى الله، {إنه حكيم} حيث أمهل لهم، ومكنهم مما هم فيه من الضلال" (١).

قال ابن عاشور: "وجزاؤهم عنه هو جزاء سوء بقرينة المقام، لأنه سمى مزاعمهم السابقة افتراء على الله، وجعل الجزاء متعديا للوصف بنفسه على تقدير مضاف، أي: سيجزيهم جزاء وصفهم، ضمن سيجزيهم معنى يعطيهم، أي جزاء وفاقا له" (٢).

[[الأصل في المطعومات الحل إلا ما نص الدليل على تحريمه]]

قال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥)} [سورة الأنعام: ١٤٥]

٢٩. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "الآية وردت بصيغة الحصر القطعي، فهي نص قطعي في حل ما عدا الأنواع الأربعة التي حصر التحريم بها فيها" (٣).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب الأطعمة، في مسألة الأصل في المطعومات الحل إلا ما نص الدليل على تحريمه، بدلالة مفهوم المخالفة.

وجه الاستنباط: دلت الآية على حصر المحرمات في هذه الأنواع الأربع، وعليه إباحة ما عداها من الأنواع، وهذا الأسلوب يتناسب مع وقت نزول القرآن، حيث إن هذه الآية نزلت بمكة في وقت يحتاج فيه لبيان الحلال والحرام فقط، ثم شرع في آية المائدة المدنية إلى مزيد من التفصيل في الأطعمة من حيث الحل والحرمة.

وجاء في شرح الآية للشيخ مقارنتها بآية سورة النحل التي سردت فيها النعم ثم ما أنزل الله في سورة البقرة المؤكد لما في سورة النحل، حيث عبر في كل منهما عن الحصر (بإنما) على القاعدة لأن هذا الحصر كان معروفا ومقررا بآية الأنعام، وأنها هي أصل الشريعة المحكم فيما يحل ويحرم من الطعام، وهذا المعنى الذي قال به ابن عباس وغيره (٤).

وأشار الإمام ابن جرير والبيضاوي، والنسفي والقرطبي، وابن سعدي إلى أن هذه الآية إعلام من الله للمشركين الذين جادلوا في تحريم الميتة وغيرها أن هذا بيد الله وهو وحده الذي يحلل ويحرم وليس بمجرد الهوى (٥).


(١) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٢٧٦).
(٢) التحرير والتنوير (٨ - أ/ ١١٢).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ١٣١).
(٤) تفسير المنار (٨/ ١٤١ - ١٤٧).
(٥) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١٢/ ١٩١)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٨٦)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٥٤٤)، الجامع لأحكام القرآن (٧/ ١١٥)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٢٧٧).

<<  <   >  >>