للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "ما الحكم الحق في الربوبية، والعقائد والعبادات الدينية إلا لله وحده يوحيه لمن اصطفاه من رسله، لا يمكن لبشر أن يحكم فيه برأيه وهواه ولا بعقله واستدلاله، ولا باجتهاده واستحسانه، فهذه القاعدة هي أساس دين الله - تعالى - على ألسنة جميع رسله، لا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب توحيد الأوهية، في مسألة الحكم لله وحده على اختلاف الأزمنة والأمكنة، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: دعوة يوسف -عليه السلام- لصاحبي السجن إلى توحيد الله الحق في ربوبيته وألوهيته، وأن تحكيم شرعه هو الحق والعدل في العقائد والعبادات، والمعاملات والعادات، وأنها لا تختلف باختلاف أزمنتهم أو تغير أماكنهم، وفي هذا رد على النصارى المدّعين ربوبية عيسى -عليه السلام- وذلك بتحكيمهم لعقولهم واجتهادهم الخاطئ.

قال ابن عطية: "وقوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} أي ليس لأصنامكم التي سميتموها آلهة من الحكم والأقدار والأرزاق شيء، أي فما بالها إذن؟ ويحتمل أن يريد الرد على حكمهم في نصبهم آلهة دون الله تعالى وليس لهم تعدي أمر الله في ألا يعبد غيره، والْقَيِّمُ معناه: المستقيم. و {أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} لجهالتهم وغلبة الكفر" (٢).

وقال النسفي: " {مَا تَعْبُدُونَ} خطاب لهما ولمن كان على دينهما من أهل مصر {مِن دُونِهِ} من دون الله {إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} أى سميتم مالا يستحق الألوهية آلهة ثم طفقتم تعبدونها فكأنكم لا تعبدون إلا أسماء لا مسميات لها، {مَّا أَنزَلَ الله بِهَا} بتسميتها {من سلطان} حجة {إِنِ الحكم} في أمر العبادة والدين {إلَا لِلَّهِ}، ثم بين ما حكم به فقال {أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذلك الدين القيم} الثابت الذي دلت عليه البراهين {ولكن أَكْثَرَ الناس لَا يَعْلَمُونَ} وهذا يدل على أن العقوبة تلزم العبد وإن جهل إذا أمكن له العلم بطريقه" (٣).

وقال أبو حيان: "لما ذكر ما هو عليه من الدين الحنيف تلطف في حسن الاستدلال على فساد ما عليه قوم الفتيين من عبادة الأصنام، فناداهما باسم الصحبة في المكان الشاق الذي تخلص فيه المودة وتتمخض فيه النصيحة، إن الحكم إلا لله أي: ليس لكم ولا لأصنامكم حكم ما الحكم في العبادة والدين إلا لله ثم بين ما حكم به فقال أمر أن لا تعبدوا إلا إياه، ومعنى القيم: الثابت الذي دلت عليه البراهين، لا يعلمون بجهالاتهم وغلبة الكفر عليهم" (٤)، وبمثله قال أبو السعود (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٢/ ٢٥٤).
(٢) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٣/ ٢٤٦).
(٣) مدارك التنزيل وحقائق التأويل (٢/ ١١٢ - ١١١).
(٤) البحر المحيط في التفسير (٦/ ٢٧٨).
(٥) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٤/ ٢٧٨).

<<  <   >  >>