للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب التوحيد، في مسألة معرفة الحق مبنية على إعمال العقل واتباع النقل، بدلالة الإشارة.

وجه الاستنباط: في الآية إشارة إلى أهمية إعمال العقل واتباع النقل في معرفة الحق، فإن هؤلاء المتبعين لآبائهم وما هم عليه من عقائد فاسدة، ليس لديهم دليل يؤيد ما هم عليه، فهم قصروا عقولهم عن النظر في الأدلة العقلية التي تهدي إلى عبادة الله وحده فضلوا، وأعرضوا عن الاهتداء بما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- من الوحي، واتخذوا التقليد منهجا لهم فصدهم عن اتباع الحق، وفرق بين التقليد إن كان في حق فهو أصل من أصول الدين، وأما إن كان في باطل فهو من اتباع الهوى.

وقد ذكر الشيخ في قواعد سورة البقرة: " (القاعدة الثالثة عشرة): بطلان التقليد للآباء والأجداد والمشايخ والمعلمين والرؤساء؛ لأنه جهل وعصبية جاهلية، وإن في هذه الآية تحريم التقليد وتصريح الكتاب العزيز بأن الله تعالى لا يقبله ولا يعذر صاحبه في الآخرة لتأكيدا شديدا لإيجاب العلم الاستقلالي الاستدلالي في الدين، وهو لا يقتضي الاجتهاد المطلق في جميع مسائل التشريع" (١).

قال الرازي: " وفيه أقوى دليل على وجوب النظر والاستدلال، وترك التعويل على ما يقع في الخاطر من غير دليل، أو على ما يقوله الغير من غير دليل" (٢).

وقال ابن سعدي: "اكتفوا بتقليد الآباء، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل الناس، وأشدهم ضلالا وهذه شبهة لرد الحق واهية، فهذا دليل على إعراضهم عن الحق، ورغبتهم عنه، وعدم إنصافهم، فلو هدوا لرشدهم، وحسن قصدهم، لكان الحق هو القصد، ومن جعل الحق قصده، ووازن بينه وبين غيره، تبين له الحق قطعا، واتبعه إن كان منصفا" (٣).

وأشار بعض المفسرين إلى بيان منع التقليد والتحذير منه، منهم:

البيضاوي فقال: "وهو دليل على المنع من التقليد لمن قدر على النظر والاجتهاد وأما اتباع الغير في الدين إذا علم بدليل ما أنه محق كالأنبياء والمجتهدين في الأحكام فهو في الحقيقة ليس بتقليد بل اتباع لما أنزل الله (٤).

وقال أبو حيان: "في هذا دلالة على ذم التقليد، وهو قبول الشيء بلا دليل ولا حجة، وحكى ابن عطية أن الإجماع منعقد على إبطاله في العقائد، وفي الآية دليل على أن ما كان عليه آباؤهم هو مخالف لما أنزل اللّه، فاتباع أبنائهم لآبائهم تقليد في ضلال، وفي هذا دليل على أن دين اللّه هو اتباع ما أنزل اللّه، لأنهم لم يؤمروا إلا به" (٥) ومثله القرطبي (٦).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ٩٥).
(٢) مفاتيح الغيب (٥/ ١٨٩).
(٣) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (١/ ٨١).
(٤) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٤٤٧).
(٥) البحر المحيط (٢/ ١٠٣).
(٦) الجامع لأحكام القرآن (٢/ ٢١١).

<<  <   >  >>