للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن عاشور: "ومكلبين حال من ضمير علمتم مبينة لنوع التعليم وهو تعليم المكلب، وصف مشتق من الاسم الجامد، ولذلك فوقوعه حالا من ضمير علمتم ليس مخصصا للعموم الذي أفاده قوله: وما علمتم فهذا العموم يشمل غير الكلاب، وقوله: تعلمونهن مما علمكم الله حال ثانية، قصد بها الامتنان والعبرة والمواهب التي أودعها الله في الإنسان، إذ جعله معلما بالجبلة، والمواهب التي أودعها الله في بعض الحيوان، إذ جعله قابلا للتعلم، فباعتبار كون مفاد هذه الحال هو مفاد عاملها تتنزل منزلة الحال المؤكدة، وباعتبار كونها تضمنت معنى الامتنان فهي مؤسسة" (١).

[مؤاكلة أهل الكتاب ونكاح نسائهم حلال ابتداءً]

قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [سورة المائدة: ٥]

٥. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "والتعبير بقوله (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) إنشاء لحلها العام الدائم كما تقدم، ولكنه لم يقل مثل ذلك فيما بعده بل قال: (حِلٌّ لَكُمْ) وهو خبر مقرر للأصل في المسألتين: مسألة مؤاكلة أهل الكتاب، ومسألة نكاح نسائهم، فلم يكن شيء منهما محرما من قبل وأحل في ذلك اليوم، لا بتحريم من الله ولا بتحريم الناس على أنفسهم، كما حرموا بعض الطيبات، فهذا ما ظهر لنا من نكتة اختلاف التعبير، وسكت عنه الباحثون في نكت البلاغة الذين اطلعنا على كلامهم، وحكمة النص على هذا الحل قطع الطريق على الغلاة أن يحرموه باجتهادهم وأهوائهم" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب النكاح، في مسألة مؤاكلة أهل الكتاب ونكاح نسائهم حلال ابتداءً، بدلالة الألفاظ.

وجه الاستنباط: لفظة أحل لكم على الأصل العام في إباحة الطيبات، أي على قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة، وهو المعنى الذي قررته الآية، أما لفظة حل لكم، فهو خبر مقرر للأصل في مسألة مؤاكلة أهل الكتاب، وكذا مسألة نكاح نسائهم فحكمها الحل على الأصل قبل هذه الآية، فهاتان المسألتان لم تكونا محرمات من قبل، وعند علماء البلاغة يسمى هذا النوع: بالعكس المعنوي: (اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ) " أي: يَحلُّ لَكُمْ أنْ تُطْعِمُوهُمْ من طعامِكُمْ، إذْ ليس هذا الحكم مُوجّهاً لأهل الكتاب الذين لا يؤمنونَ بالقرآن ولا بالإِسلام، إنما هو موجّه للمؤمنين، ويسمى هذا النوع عند علماء البلاغة العكس المعنوي - التبديل-" (٣).


(١) التحرير والتنوير (٦/ ١١٤) (٦/ ١١٥).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٦/ ١٥٣).
(٣) البلاغة العربية (٢/ ٤٤٠).

<<  <   >  >>