للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الصبر أساس في حسن أداء العبادات واتقانها] قال تعالى (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧)) [سورة آل عمران ١٧] قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله- ويعلم مما تقدم أن تقديم ذكر الصابرين على ما بعده لأنه كالشرط إذ لا يتم بدونه الصدق والقنوت والإنفاق والاستغفار في الأسحار (١). الدراسة استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب العبودية، في مسألة الصبر أساس في حسن أداء العبادات واتقانها، من دلالة اللفظ. وجه الاستنباط كل عبادة مطلوبة من المؤمنين تعترضها شهوات النفس وامتثال أمر الخالق جل في علاه، ولما كان الصابر يحبس نفسه على ما يحب الله ويرضاه ويصبر على أداء جميع العبادات بصدق في الأقوال والأحوال فقد عدّ هذه الصفة شرطا في حسن أداء العبادة، وما بعدها داخل فيها دخولا ضمنياً. قال الرازي قوله الصابرين والصادقين أكمل من قوله الذين يصبرون ويصدقون، لأن قوله الصابرين يدل على أن هذا المعنى عادتهم وخلقهم، وأنهم لا ينفكون عنها. اعلم أن لله تعالى فرض على عباده أنواعا من التكليف، والصابر هو من يصبر على أداء جميع أنواعها، ثم إن العبد قد يلتزم من عند نفسه أنواعا أخر من الطاعات، وإما بسبب الشروع فيه، وكمال هذه المرتبة أنه إذا التزم طاعة أن يصدق نفسه في التزامه، وذلك بأن يأتي بذلك للملتزم من غير خلل البتة، ولما كانت هذه المرتبة متأخرة عن الأولى، لا جرم ذكر سبحانه الصابرين أولا ثم قال الصادقين ثانيا (٢). وقال البيضاوي حصر لمقامات السالك على أحسن ترتيب، فإن معاملته مع الله تعالى إما توسل وإما طلب، والتوسل إما بالنفس وهو منعها عن الرذائل وحبسها على الفضائل والصبر يشملهما (٣). وعلل أبو حيان تقديم الصابرين على غيرهم بقوله لما ذكر الإيمان بالقول، أخبر بالوصف الدال على حبس النفس على ما هو شاق عليها من التكاليف، فصبروا على أداء الطاعة، وعن اجتناب المحارم، ثم بالوصف الدال على مطابقة الاعتقاد في القلب للفظ الناطق به اللسان، فهم صادقون فيما أخبروا به (٤). قال ابن عاشور وذكر هنا أصول فضائل صفات المتدينين وهي الصبر الذي هو ملاك فعل الطاعات وترك المعاصي (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٣/ ٢٠٧).
(٢) مفاتيح الغيب (٧/ ١٦٧)
(٣) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ٩).
(٤) البحر المحيط (٣/ ٥٧).
(٥) التحرير والتنوير (٣/ ١٨٥).

<<  <   >  >>