للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[فساد القلوب واستمراء النفوس للمنكر المتفشي مع شناعته]]

قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (٢٢)} [سورة النساء: ٢٢]

٤. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "قدم هذا النكاح على غيره، وجعله في آية خاصة، ولم يسرده مع سائر المحرمات في الآية الأخرى؛ لأنه على قبحه كان فاشيا في الجاهلية، ولذاك ذمه بمثل ما ذم به الزنا" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في كتاب النكاح، في مسألة فساد القلوب واستمراء النفوس للمنكر المتفشي مع شناعته، بدلالة التقديم.

وجه الاستنباط: لما كان هذا النوع من النكاح على قبحه وإنكار الفطر له، إلا أنه كان متفشيا في الجاهلية، فلذا قدم على سائر النساء المحرم نكاحهن، وجاء ذمه ووصفه بهذه الأوصاف للتنفير منه، فإن النفوس قد تألف معصية شديدة الحرمة، ثم تتمسك بها، ويغيب عنها قبحها.

قال أبو السعود: "شروعٌ في بيان من يحْرُم نكاحُها من النساء ومَنْ لا يحرُم وإنما خُصَّ هذا النكاحُ بالنهي ولم يُنْظَمْ في سلك نكاحِ المحرِّماتِ الآتيةِ مبالغةً في الزجر عنه حيث كانوا مُصِرِّين على تعاطيه" (٢).

قال ابن عطية: "هذه الآية مخاطبة للمؤمنين من العرب في مدة نزول الآية، ومعنى الآية والتحريم الذي بعدها مستقر على المؤمنين أجمع، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في تأويل هذه الآية: كل امرأة تزوجها أبوك أو ابنك دخل أو لم يدخل، فهي عليك حرام، (وكانَ) في هذه الآية تقتضي الماضي والمستقبل" (٣)، ومثله قال أبو حيان، والقرطبي، والشوكاني (٤).

قال الشوكاني: "ثم بين سبحانه وجه النهي عنه فقال: إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا هذه الصفات الثلاث تدل: على أنه من أشد المحرمات وأقبحها، وقد كانت الجاهلية تسميه نكاح المقت" (٥).

[[المهر من قبيل العدل والمساواة بين الرجل والمرأة]]

قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٢٤)} [سورة النساء: ٢٤]


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٤/ ٣٧٩).
(٢) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٢/ ١٥٩).
(٣) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٣٠ - ٣١).
(٤) البحر المحيط في التفسير (٣/ ٥٧٦)، الجامع لأحكام القرآن (٥/ ١٠٣)، فتح القدير (١/ ٥٠٨).
(٥) فتح القدير (١/ ٥٠٨).

<<  <   >  >>