للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو حيان: "هذا استفهام معناه التعجب من هذه المقالة، وكيف ينسب ما هو من عند الله لغير الله؟ أي أن هؤلاء كانوا ينبغي لهم أن يكونوا ممن يتفهم الأشياء، ويتوقفون عما يريدون أن يقولوا حتى يعرضوه على عقولهم، وبالغ تعالى في قلة فهمهم وتعقلهم، حتى نفى مقاربة الفقه، ونفي المقاربة أبلغ من نفي الفعل، وهذا النوع من الاستفهام يتضمن إنكار ما استفهم عن علته، وأنه ينبغي أن يوجد مقابله" (١).

قال ابن سعدي: "وعلى كل فهو ذم لهم وتوبيخ على عدم فهمهم وفقههم عن الله وعن رسوله، وذلك بسبب كفرهم وإعراضهم. وفي ضمن ذلك مدْح من يفهم عن الله وعن رسوله، والحث على ذلك، وعلى الأسباب المعينة على ذلك، من الإقبال على كلامهما وتدبره، وسلوك الطرق الموصلة إليه، فلو فقهوا عن الله لعلموا أن الخير والشر والحسنات والسيئات كلها بقضاء الله وقدره، لا يخرج منها شيء عن ذلك" (٢).

[[الشريعة أصل العلوم وأساسها]]

قال تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٧٩)} [سورة النساء: ٧٩]

١٤. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "فهذه الآية أصل من أصول علم الاجتماع وعلم النفس فيها شفاء للناس من أوهام الوثنية، وتثبيت في مقام الإنسانية" (٣).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب كمال الشريعة، في مسألة الشريعة أصل العلوم وأساسها، بدلالة التضمن.

وجه الاستنباط: الآية أصل من الأصول التي قام عليها علم الاجتماع وعلم النفس، وهي تربي الإنسان على معرفة نعم الله عز وجل عليه، وأن كل ما يصيبه من الحسنات هي فضل ونعمة من الله فيشكرها، وأن ما أصابه من المصائب فيعود إلى أسباب نفسية أو اجتماعية أو سلوكية، تحتاج إلى معالجة بالرجوع إلى الله ومعالجة هذه الأسباب وإيجاد حلوله لها، وأخذ علماء الاجتماع من هذا قاعدة محاسبة النفس عند أي مصيبة تصيب الإنسان، وفي هذا حفظ للإنسان من الانحراف إلى أوهام الوثنية والإلحاد.

وهذا مما تفرد به الشيخ ولم يسبق إليه كون هذه العلوم من العلوم التي نشأت واستقلت مؤخرا، وهذا يدل على مدى عناية الشيخ بهذه العلوم وأثرها على النفس والمجتمع.


(١) البحر المحيط في التفسير (٣/ ٧١٨).
(٢) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (١/ ١٨٨).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ٢٢٠).

<<  <   >  >>