للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الرازي: "وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون وفيه مسألتان: المسألة الأولى: الإسلام، هو الاستسلام والانقياد والخضوع، إذا عرفت هذا ففي خضوع كل من في السموات والأرض لله وجوه، الأول: وهو الأصح عندي أن كل ما سوى الله سبحانه ممكن لذاته وكل ممكن لذاته فإنه لا يوجد إلا بإيجاده ولا يعدم إلا بإعدامه فإذن كل ما سوى الله فهو منقاد خاضع لجلال الله في طرفي وجوده وعدمه، وهذا هو نهاية الانقياد والخضوع.

المسألة الثانية: قال الواحدي رحمه الله: الطوع الانقياد، يقال: طاعه يطوعه طوعا إذا انقاد له وخضع، وإذا مضى لأمره فقد أطاعه، وإذا وافقه فقد طاوعه" (١).

[[الحل والحرمة في المطعومات خاضع لحكم الله وليس للعادات]]

قال تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٣)} [سورة آل عمران: ٩٣]

٩. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "والمتبادر عندي: أن المراد بما حرمه إسرائيل على نفسه ما امتنعوا عن أكله وحرموه على أنفسهم بحكم العادة والتقليد لا بحكم من الله، كما يعهد مثل ذلك في جميع الأمم، ومنه تحريم العرب للبحائر والسوائب وغير ذلك مما حكاه القرآن عنهم في سورتي المائدة والأنعام، وقيل: إن شبهتهم التي دفعتها الآية هي إنكار النسخ، فألزمهم بأن التوراة نفسها نسخت بعض ما كان عليه إبراهيم وإسرائيل، وهو إلزام لا يمكنهم التفصي منه؛ لأنه ثابت عندهم في التوراة وهو يدل على نبوة النبي على كل حال" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب التشريع، في مسألة الحل والحرمة في المطعومات خاضع لحكم الله وليس للعادات، بدلالة النص من الآية.

وجه الاستنباط: في الآية دلالة على أن التحريم الواقع من بني إسرائيل لأنواع من الطيبات لم يكن مستندا لدليل شرعي، وإنما كان منشأه العادات المنتشرة في ذلك الزمان، وبين أن هذا في كل الأمم، ويختلف من أمة إلى أمة في سبب هذا التحريم، فقد يكون في أمة بسبب العادات، وفي أمة بسبب إنكار النسخ (٣)، لكن المنهج السليم هو عرض هذه الأحكام على الكتب المنزلة لمعرفة الحلال والحرام منها.


(١) مفاتيح الغيب (٨/ ٢٨٠).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٤/ ٥).
(٣) النسخ: هو رفع النص القرآني بنص من الكتاب والسنة، واليهود: ينكرونه لأنه يستلزم في زعمهم البَدَاء، وهو الظهور بعد الخفاء، وهم يعنون بذلك: أن النسخ إما أن يكون لغير حكمة، وهذا عبث محال على الله، وإما أن يكون لحكمة ظهرت ولم تكن ظاهرة من قبل، وهذا يستلزم البَدَاء وسبق الجهل، وهو محال على الله تعالى، انظر: مباحث في علوم القرآن (٢٣٨ - ٢٤٠)، علوم القرآن عند الصحابة والتابعين ٦١٧.

<<  <   >  >>