للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[البشارة بفتح مكة]]

قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨)} [سورة البقرة: ١٥٨]

٢١. قال الشيخ -رحمه الله-: "تقدم أن من لوازم حكم تحويل القبلة إلى البيت الحرام توجيه قلوب المؤمنين إلى الاستيلاء عليه - كما يوجهون إليه وجوههم - لأجل تطهيره من الشرك والآثام، كما عهد الله إلى أبويهم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وإلا كانوا راضين باستقبال الأصنام، وإن في طي {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} [سورة البقرة: ١٥٠] بشارة بهذا الاستيلاء، مفيدة للأمل والرجاء"، ثم قال: "فذكر شعيرة من شعائر الحج هي السعي بين الصفا والمروة فكان ذكرها تصريحا ضمنيا بأن سيأخذون مكة ويقيمون مناسك إبراهيم فيها، وتتم بذلك لهم النعمة والهداية" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب تحقيق العبودية، في مسألة بشارة المؤمنين بفتح مكة، بدلالة اللزوم.

وجه الاستنباط: هذه الآية مرتبطة بما قبلها، بل هي البشارة بتمام النعمة التي وعد الله بها، من النصر والتمكين بأداء هذه الفريضة، بعدما أرشدهم إلى الاستعانة بالصبر والصلاة، فغرس في نفوسهم الرضا والتوكل عليه، فجاءهم النصر وتمكنوا من إقامة هذه الشعائر في أمن وأمان منه سبحانه، من خلال التصريح بهذين الركنين.

ولم أجد أحدا قال بهذا الاستنباط أو أشار إليه، إلا عبارة لبعض المفسرين: أنها معالم جعلت محلا للعبادة، وأن كفار مكة جعلوا عليها صنمين، وتحرج المسلمون من السعي بينهما (٢).

وقال الألوسي: "أنه ما أشار سبحانه فيما تقدم إلى الجهاد عقب ذلك ببيان معالم الحج فكأنه جمع بين الحج والغزو، وفيهما شق الأنفس وتلف الأموال، وقيل: لما ذكر الصبر عقبه ببحث الحج لما فيه من الأمور المحتاجة إليه" (٣).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٣٥)
(٢) جامع البيان ت شاكر (٣/ ٢٢٦)، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (١/ ٢٣٠)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٢٠٨)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (١/ ١١٥)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ١٤٥)، البحر المحيط (٢/ ٩٥)، الجامع لأحكام القرآن (٢/ ١٧٨). وغيرهم
(٣) روح المعانى (١/ ٤٢٤).

<<  <   >  >>