للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الولاية، في مسألة الفرق بين ولاية الله للمؤمنين، وولايتهم لله، وولايتهم فيما بينهم، بدلالة التضمن.

وجه الاستنباط: العلم بأنواع الولاية والتفريق بينها من العلم الذي يدفع به الجهل في هذا، فهناك ولاية الله للمؤمنين وولاية المؤمنين لله والولاية فيما بينهم، وعليه فلا بد من معرفة كل نوع من هذه الأنواع وما يلزم له وعدم الخلط بينها لأنه يعد من الجهل، فإن ولاية الله للمؤمنين هي حفظه ورعايته لهم، وولاية المؤمنين لله هي إعطاؤه ما اختص به، وولاية المؤمنين بعضهم لبعض هي حبهم ومناصرتهم، وفي هذا رد على من يتوسل بالقبور ويدعو الصالحين من دون الله فيشرك بالله في باب الولاية.

قال ابن سعدي: "ذكر السبب الذي أوصلهم إلى ذلك فقال: {الله ولي الذين آمنوا} وهذا يشمل ولايتهم لربهم، بأن تولوه فلا يبغون عنه بدلا ولا يشركون به أحدا، قد اتخذوه حبيبا ووليا، ووالوا أولياءه وعادوا أعداءه، فتولاهم بلطفه ومن عليهم بإحسانه، فأخرجهم من ظلمات الكفر والمعاصي والجهل إلى نور الإيمان والطاعة والعلم، وكان جزاؤهم على هذا أن سلمهم من ظلمات القبر والحشر والقيامة إلى النعيم المقيم والراحة والفسحة والسرور {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت} فتولوا الشيطان وحزبه، واتخذوه من دون الله وليا ووالوه وتركوا ولاية ربهم وسيدهم، فسلطهم عليهم عقوبة لهم فكانوا يؤزونهم إلى المعاصي أزا، ويزعجونهم إلى الشر إزعاجا، فيخرجونهم من نور الإيمان والعلم والطاعة إلى ظلمة الكفر والجهل والمعاصي، فكان جزاؤهم على ذلك أن حرموا الخيرات، وفاتهم النعيم والبهجة والمسرات، وكانوا من حزب الشيطان وأولياءه في دار الحسرة" (١).

قال ابن عثيمين: "من فوائد هذه الآية: إثبات الولاية لله عز وجل؛ أي أنه سبحانه وتعالى يتولى عباده؛ وولايته نوعان؛ النوع الأول: الولاية العامة؛ بمعنى أن يتولى شؤون عباده؛ وهذه لا تختص بالمؤمنين، كما قال تعالى: {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [سورة يونس: ٣٠] يعني الكافرين، والنوع الثاني: ولاية خاصة بالمؤمنين، كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [سورة محمد: ١١]، وكما في قوله تعالى: {الله ولي الذين آمنوا}؛ ومقتضى النوع الأول أن لله تعالى كمال السلطان، والتدبير في جميع خلقه؛ ومقتضى النوع الثاني الرأفة، والرحمة، والتوفيق" (٢).


(١) تيسير الكريم الرحمن (ص: ١١١).
(٢) تفسير القرآن للعثيمين (٥/ ٢١٤).

<<  <   >  >>