للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو السعود: "هو المكان الغائر المطمئن والمجئ منه كناية عن الحدث لأن المعتاد أن من يريده يذهب إليه ليواري شخصه عن أعين الناس وإسناد المجئ منه إلى واحد منهم من المخاطبين دونهم للتفادي عن التصريح بنسبتهم إلى ما يستحيا منه أو يستهجن التصريح به وكذلك إيثار الكناية فيما عطف عليه من قوله عز وجل: {أو لامستم النساء} على التصريح بالجماع" (١).

قال ابن سعدي في بيان بعض أحكام هذه الآية: "استحباب التكنية عما يستقذر التلفظ به" (٢).

وقال ابن عاشور: "من الغائط كناية عن قضاء الحاجة البشرية، شاع في كلامهم التكني بذلك لبشاعة الصريح" (٣).

[تأكيد وتقرير وعد الله للمؤمنين وتشوّقهم له]

قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩)} [سورة المائدة: ٩]

٧. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وهذا التعبير أبلغ من تعلق الوعد بالموعود نفسه، كقوله تعالى في آخر سورة الفتح: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [سورة الفتح: ٢٩] لأن ما هنالك خبر واحد، لا تأكيد فيه، ولا زيادة عناية بتقريره، وما هنا خبر فيه زيادة تأكيد أو تقرير للوعد، فقد وعد وعدا مجملا من شأنه أن تتوجه النفس للسؤال عن بيانه، فهذا خبر مستقل" (٤).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الإيمان، في مسألة تأكيد وتقرير وعد الله للمؤمنين وتشوّقهم له، بدلالة المقارنة.

وجه الاستنباط: استخدم الشيخ أسلوب المقارنة بين الآيتين، وبين أن في آية سورة المائدة إفادة تحقق الوعد وأكدته الجملة الخبرية، وهو أبلغ مما أفاده تحقيق الخبر بالموعود في سورة الفتح، وهذا يفيد عظم فضل الله، وأن جزاءه لعباده فضل زائد على أعمالهم، وليس جزاءً على أعمالهم فقط.

وأشار بعض المفسرين إلى ذلك كابن جرير فقال: "فإن قال قائل: إن الله جل ثناؤه أخبر في هذه الآية أنه وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولم يخبر بما وعدهم، فأين الخبر عن الموعود؟ قيل: بلى إنه قد أخبَر عن الموعود، والموعود هو قوله: "لهم مغفرة وأجر عظيم فإن قال: فإن قوله: "لهم مغفرة وأجر عظيم" خبرٌ مبتدأ، ولو كان هو الموعود لقيل: "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجرًا عظيمًا، ولم يدخل في ذلك "لهم"، وفي دخول ذلك فيه، دلالة على ابتداء الكلام، وانقضاء الخبر عن الوعد! قيل: إن ذلك وإن كان ظاهره ما ذكرتَ، فإنه مما اكتُفي بدلالة ما ظهر من الكلام على ما بطن من معناه" (٥).


(١) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٢/ ١٨٠).
(٢) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٢٢٣).
(٣) التحرير والتنوير (٥/ ٦٦).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٦/ ٢٢٨).
(٥) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١٠/ ٩٨) (١٠/ ٩٩).

<<  <   >  >>