للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووافق الشيخ رشيد على استنباطه ابن سعدي حيث قال: "إن في إتيانه بلفظ الخبر، نكتة بديعة لا توجد فيه إذا كان بلفظ الأمر، وهي تقوية قلوب المؤمنين، والبشارة بأنهم سيغلبون الكافرين" (١).

وإلى ذلك أيضا أشار الزمخشري فقال: "وهذه عدة من الله وبشارة بأن الجماعة من المؤمنين إن صبروا غلبوا عشرة أمثالهم من الكفار بعون الله تعالى وتأييده، ثم قال بأنهم قوم لا يفقهون أى بسبب أن الكفار قوم جهلة يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب كالبهائم، فيقل ثباتهم ويعدمون لجهلهم بالله نصرته ويستحقون خذلانه، خلاف من يقاتل على بصيرة ومعه ما يستوجب به النصر والإظهار من الله تعالى" (٢).

قال أبو بكر الجصاص: "أن قوله تعالى: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} وإن كان لفظه لفظ الخبر فمعناه الأمر كقوله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن} [البقرة: ٢٣٣]، وقوله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن} [البقرة: ٢٢٨]، وليس هو إخبارا بوقوع ذلك وإنما هو أمر بأن لا يفر الواحد من العشرة ولو كان هذا خبرا لما كان لقوله {الآن خفف الله عنكم} معنى لأن التخفيف إنما يكون في المأمور به لا في المخبر عنه ومعلوم أيضا أن القوم الذين كانوا مأمورين بأن يقاوم الواحد منهم العشرة من المشركين داخلون في قوله: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا} فلا محالة قد وقع النسخ عنهم فيما كانوا تعبدوا به من ذلك ولم يكن أولئك القوم قد نقصت بصائرهم ولا قل صبرهم وإنما خالطهم قوم لم يكن لهم مثل بصائرهم ونياتهم" (٣)، وكذا أشار شهاب الدين الخفاجي في حاشيته على البيضاوي (٤).

[[وجوب العلم وعلو شأن أهله في كل الميادين]]

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (٦٥)} [سورة الأنفال: ٦٥]

١١. قال الشيخ -رحمه الله-: "والآية تدل على أن من شأن المؤمنين أن يكونوا أعلم من الكافرين، وأفقه بكل علم وفن يتعلق بحياة البشر وارتقاء الأمم، وأن حرمان الكفار من هذا العلم هو السبب في كون المائة منهم دون العشرة من المؤمنين الصابرين" (٥).


(١) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٣٢٦).
(٢) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٢٣٥).
(٣) أحكام القرآن للجصاص، ط العلمية (٣/ ٩٢).
(٤) حاشيه الشهاب علي أنوار التنزيل وأسرار التأويل، عنايه القاضي وكفاية الراضي (٤/ ٢٨٩).
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٠/ ٦٧).

<<  <   >  >>