للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[استنباطات سورة هود]

[[نجاة الأمة المحمدية من عذاب الاستئصال]]

قال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣)} [سورة هود: ٣]

١. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "والآية تتضمن نجاة هذه الأمة المحمدية من عذاب الاستئصال" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب السنن، في مسألة نجاة الأمة المحمدية من عذاب الاستئصال، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: النجاة لا تتحقق إلا برحمة من الله، بإقامة التوحيد الذي ارتضاه الله، ذلك أن الله يمتعكم متاعا حسنا مرضيا ممتدا إلى أجل مسمى عنده وهو العمر المقدر لكم في علمه، المكتوب فلا يقطعه إهلاككم بعذاب الاستئصال ولا بفساد العمران وسلب الاستقلال، ولا ينغصه كل ما ينغص حياة الكفار، وأن هذه الأسباب ترجع إلى الإصرار على الكفر والذنوب المحرمة، وهذا ما تحقق به نجاة الأمة المحمدية من عذاب الاستئصال الذي حل بكل الأمم وأقوام الرسل الذين أصروا على الكفر والظلم والفساد.

قال أبو جعفر: "يقول تعالى ذكره للمشركين الذين خاطبهم بهذه الآيات: {استغفروا ربكم ثم توبوا إليه}، فإنكم إذا فعلتم ذلك بسط عليكم من الدنيا ورزقكم من زينتها، وأنسأ لكم في آجالكم إلى الوقت الذي قضى فيه عليكم الموت" (٢)، وبنحوه قال أبو حيان وأبو السعود (٣).

وقال الرازي: "واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه المراتب الثلاثة ذكر بعدها ما يترتب عليها من الآثار النافعة والنتائج المطلوبة، ومن المعلوم أن المطالب محصورة في نوعين، لأنه إما أن يكون حصولها في الدنيا أو في الآخرة، أما المنافع الدنيوية: فهي المراد من قوله: يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى وهذا يدل على أن المقبل على عبادة الله والمشتغل بها يبقى في الدنيا منتظم الحال مرفه البال" (٤).

قال البيضاوي: "يمتعكم متاعا حسنا: يعيشكم في أمن ودعة إلى أجل مسمى هو آخر أعماركم المقدرة، أو لا يهلككم بعذاب الاستئصال والأرزاق والآجال، وإن كانت متعلقة بالأعمار لكنها مسماة بالإضافة إلى كل أحد فلا تتغير" (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٢/ ٨).
(٢) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١٥/ ٢٢٩).
(٣) البحر المحيط في التفسير (٦/ ١٢١)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٤/ ١٨٤).
(٤) مفاتيح الغيب (١٧/ ٣١٥).
(٥) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٣/ ١٢٧).

<<  <   >  >>