للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[الكفر باليوم الآخر أصل كفرهم وعتوهم وصدهم عن سبيل الله]]

قال تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ (٤٥)} [سورة الأعراف: ٤٥]

٧. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "وتقديم الجار والمجرور (بالآخرة) على متعلقه للاهتمام به فإن أصل كفرهم قد علم مما قبله وهذا النوع منه له تأثير خاص في إصرارهم على ما أسند إليهم، وقد غفل عن هذا من قال إن التقديم لأجل رعاية الفاصلة" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب توحيد الألوهية، في مسألة الكفر باليوم الآخر أصل كفرهم وعتوهم وصدهم عن سبيل الله، بدلالة التقديم.

وجه الاستنباط: تقديم (بالآخرة) دليل على إصرارهم على ما هم عليه من الكفر وخاصة الكفر باليوم الآخر وما فيه من البعث والجزاء والحساب، وأصل كفرهم قد علم ولكن الصد عنه له تأثير خاص في إصرارهم على الكفر، وفيه إشارة على عتوهم وقوة صدهم عن سبيل الله، وأنه لن تنفع معهم موعظة غالبا.

قال ابن عاشور: "وورد وصفهم بالكفر بطريق الجملة الاسمية في قوله: وهم بالآخرة كافرون للدلالة على ثبات الكفر فيهم وتمكنه منهم، لأن الكفر من الاعتقادات العقلية التي لا يناسبها التكرر، فلذلك خولف بينه وبين وصفهم بالصد عن سبيل الله وبغي إظهار العوج فيها، لأن ذينك من الأفعال القابلة للتكرير، بخلاف الكفر فإنه ليس من الأفعال، ولكنه من الانفعالات" (٢).

ووافقه في ذلك أبو زهرة فقال: "وقد أكد - سبحانه وتعالى - كفرهم باليوم الآخر، وهو يبتدئ من البعث إلى أن توفى كل نفس ما كسبت بأن تنال جزاءها من النعيم أو الجحيم، أكد كفرهم بعدة مؤكدات أولها: ذكر ضمير الفصل "هم"، فذلك يؤكد الحكم، وثانيها: تقديم الجار والمجرور، وهو قوله تعالى: (بِالآخِرَةِ) على (كافِرُونَ) ففي ذلك تأكيد لكفرهم به، وثالثها: التعبير بالجملة الاسمية، فإنها تدل على استمرارهم على هذا الكفر، وأنهم جاحدون جحدا (لا مثنوية فيه) " (٣).

وأشار الألوسي إلى أن التقديم لمراعاة الفواصل فقال: " (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) أي غير معترفين بالقيامة وما فيها، والجار متعلق بما بعده، والتقديم لرعاية الفواصل، والعدول عن الجملة الفعلية إلى الاسمية للدلالة على الدوام والثبات إشارة إلى رسوخ الكفر فيهم" (٤).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ٣٨٢).
(٢) التحرير والتنوير (٨ - ب/ ١٤٠).
(٣) زهرة التفاسير (٦/ ٢٨٤٦).
(٤) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (٤/ ٣٦٣).

<<  <   >  >>