للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا في باب القدر، في مسألة الرد على الجبرية، من خلال دلالة التركيب بالجمع بين الآيات، في مسألة علة أن ذهاب النور فتنتهم أنفسهم.

وجه الاستنباط: ذهاب الله بنوره ليس إجباراً منه لهم على الكفر، وإنما كان بسبب زيغهم وفتنتهم أنفسهم وظلمهم إياها بالكفر، وأن نفي الإيمان عنهم لم يكن إلا سير على سنة الله فيمن ظلم نفسه بالكفر والبعد عن الله، وقد وافق كثير من المفسرين في هذا.

قال ابن القيم: "ولم يقل ذهب نورهم، وفيه سر بديع وهو انقطاع سر تلك المعية الخاصة التي هي للمؤمنين من الله تعالى، فإن الله تعالى مع المؤمنين، وإن الله مع الصابرين، وإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون؛ فذهاب الله بذلك النور انقطاع لمعيته التي خص بها أولياءه، فقطعها بينه وبين المنافقين فلم يبق عندهم بعد ذهاب نورهم ولا معهم" (١).

وقال ابن كثير: "إن المعنى: أن المنافق تكلم بلا إله إلا الله فأضاءت له الدنيا، فناكح بها المسلمين، وغازاهم بها، ووارثهم بها، وحقن بها دمه وماله، فلما كان عند الموت، سُلبها المنافق؛ لأنه لم يكن لها أصل في قلبه، ولا حقيقة في عمله" (٢)، وكذا القرطبي والشوكاني وابن عاشور (٣).

وقال ابن عثيمين: "إن الله تعالى جازاهم على حسب ما في قلوبهم: {ذهب الله بنورهم}، كأنه أخذه قهراً، فإن قال قائل: أليس في هذا دليل على مذهب الجبرية؟

فالجواب: لا؛ لأن هذا الذي حصل من رب العباد عزّ وجلّ بسببهم؛ وتذكَّر دائماً قول الله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [الصف: ٥]، حتى يتبين لك أن كل من وصفه الله بأنه أضله فإنما ذلك بسبب منه" (٤)، وكذا قال الزمخشري والبيضاوي والنسفي والألوسي (٥).

[[الكفر بالله سبب إحاطة الكافرين بالعذاب]]

قال تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (١٩)} [سورة البقرة: ١٩].

٦. قال الشيخ رشيد رضا -رحمه الله-: "أقول: فوضع الاسم المظهر موضع المضمر للإيذان بأنهم إنما كانوا كذلك بكفرهم وأن ذلك يرد في أمثالهم " (٦).


(١) اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية (٢/ ٢٧).
(٢) تفسير القرآن العظيم (١/ ١٨٩ - ١٨٨).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (١/ ٢١٣)، فتح القدير (١/ ٤٣)، التحرير والتنوير (١/ ٣٠٤).
(٤) تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين (٣/ ٣٥).
(٥) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٧٤) (١/ ١٩٠)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٢١)، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (١/ ١٦٧).
(٦) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ١٤٩)، وعبارة: " أقول" من عبارات الشيخ للفصل بين كلامه وكلام شيخه.

<<  <   >  >>