للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الكيا (١): … "يدل على أن في المأتي اختصاصا، وأنه مقصور على موضع الولد" (٢)، ومثله القرطبي (٣).

[[الموازنة بين أدب المطلقة وحفظ حقها]]

قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨)} [سورة البقرة: ٢٢٨]

٤٤. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وفي التعبير بقوله: (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) من الإبداع في الإشارة، والنزاهة في العبارة، ما عهد في كل القرآن، ولم يبلغ مراعاة مثله إنسان، فالكلام في المطلقات وهن معرضات للزواج، وخلو من الأزواج، والأنسب فيه ترك التصريح بما يتشوقن إليه، والاكتفاء بالكناية عما يرغبن فيه، على إقرارهن عليه وعدم إيئاسهن منه، مع اجتناب إخجالهن، وتوقي تنفيرهن أو التنفير منهن، وقد جمع هذه المعاني قوله تعالى: (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) على ما فيه من الإيجاز، الذي هو من مواقع الإعجاز، فأفاد أنه يجب عليهن أن يملكن رغبتهن، ويكففن جماح أنفسهن، إلى تمام المدة الممدودة، والعدة المعدودة، ولكن بطريق الرمز والتلويح لا بطريق الإبانة والتصريح " (٤).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا لغويا، في باب دلالات الألفاظ، في مسألة الموازنة بين أدب المطلقة وحفظ حقها، بدلالة اللفظ.

وجه الاستنباط: الأمر بالتربص وتقييده بلفظ أنفسهن خاصة كان جامعا لمعان ثلاثة؛ تشوق المرأة للرجل، وأن هذا حق لها، وأن حياءهن يمنعهن من التصريح، وكذا التوجيه لمن حولهن فلا ينفر منهن ولا ينفرهن، كل هذه المعاني جمعها هذا التعبير، فكأنه أشار بطريق غير مباشر أن يكبحن شهواتهن إلى انتهاء العدة المشروعة ولا يتسرعن في انقضائها لتلبية رغباتهن.


(١) علي بن محمد بن علي، الإمام شمس الإسلام أبو الحسن إلكيا الهراسي، أحد فحول العلماء ورؤوس الأئمة فقها وأصولا وجدلا وحفظا لمتون أحاديث الأحكام، له أحكام القرآن، مات سنة ٥٠٤ هـ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (٧/ ٢٣١)، الوافي بالوفيات (٢٢/ ٥٤).
(٢) أحكام القرآن، الكيا هراسي (١/ ١٤٢).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٣/ ٩٤).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٢٩٥).

<<  <   >  >>