للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الاستبناط مما تفرد به الشيخ فلم أجد من ذكر هذه المعنى فيما اطلعت عليه.

[[خطورة الانحراف عن شرائع الإسلام وسوء عاقبته]]

قال تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢)} [سورة البقرة: ١٣٢].

١٦. قال الشيخ -رحمه الله-: "ويتضمن هذا النهي إرشاد من كان منحرفا عن الإسلام إلى عدم اليأس وأن يبادر بالرجوع إليه والاعتصام بحبله لئلا يموت على غيره" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الاعتصام والالتزام بدين الله عز وجل، في مسألة خطورة الانحراف عن شرائع الإسلام وسوء عاقبته، بدلالة التضمن.

وجه الاستنباط: الآية أوجبت الأمر بالثبات على الإسلام، وعدم مفارقته، وأرشدت إلى عدم اليأس من رحمة الله، والتعلق بحبل الله العظيم، في جميع الأوقات، ذلك أن الإنسان لا يعلم متى يأتيه الموت، كما جاء في الحديث القدسي: قال الله ((يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)) (٢).

قال جمع من المفسرين (٣): أتى بلفظ موجز يقتضي المقصود ويتضمن وعظاً وتذكيراً بالموت، وظاهرُه النهيُ عن الموت على خلاف حال الإسلام، والمقصودُ الأمرُ بالثبات على الإسلام إلى حين الموتِ، أي فاثبُتوا عليه ولا تفارقوه أبداً، كقولك: لا تصلِّ إلا وأنت خاشِعٌ، وتغييرُ العبارة للدلالة على أن موتهم لا على الإسلام موتٌ لا خيرَ فيه وأن حقه ألا يِحلَّ بهم وأنه يجب أن يحذَروه غايةَ الحذَر.

وقال البيضاوي (٤): "ظاهره النهي عن الموت على خلاف حال الإسلام، والمقصود هو النهي عن أن يكونوا على خلاف تلك الحال إذا ماتوا، والأمر بالثبات على الإسلام" (٥)، ومثله الألوسي (٦).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ٣٩١).
(٢) سنن الترمذي، كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده، ح (٣٥٤٠)، قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(٣) انظر: المحرر الوجيز (١/ ١٥٧)، البحر المحيط (١/ ٦٣٨)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ١٩١)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٧٧)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (١/ ٢٠٨).
(٤) عبد الله بن عمر الشيخ الإمام العالم العلامة المحقق المدفق ناصر الدين الشيرازي البيضاوي صاحب التصانيف البديعة المشهورة منها كتاب التفسير: أنوار التنيزيل وأسرار التأويل، والغاية القصوى في دراية الفتوى والمنهاج في أصول الفقه وغيرها، توفي سنة ٦٨٥ هـ. انظر: الوافي بالوفيات (١٧/ ٢٠٦)، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (٨/ ١٥٧)، طبقات المفسرين للأدنه وي (ص: ٢٥٤).
(٥) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٤٠٥).
(٦) روح المعانى (١/ ٣٨٧).

<<  <   >  >>