للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب أعمال القلوب، في مسألة الخزن والخوف منهي عنهما ومنافيان لمراد الله من المؤمن، بدلالة اللزوم.

وجه الاستنباط: دل لفظ الحزن على طبيعة البشر التي لا تخلو منها حياتهم، وما يتضمنه من آثار ومفاسد تستحق التنبيه عليها والتحذير منها، ثم فرق بين الحزن والخوف، في صفتهما وآثارهما، مع اتفاقهما في ضررهما ومفاسدهما على أعمال القلوب، وفضيلة السلامة منهما وإمكانية ذلك، وأنهما طبيعة بشرية، والحزن قد يعرض لخواص عباد الله الصديقين، والأولى بالعبد إذا نزل به أن يسعى في ذهابه عنه، فإنه مضعف للقلب، موهن للعزيمة، وهذا منفي في حق أبي بكر.

وممن أشار إلى هذا البغوي، فقال: "وقوله عز وجل: لا تحزن إن الله معنا، لم يكن حزن أبي بكر جبنا منه، وإنما كان إشفاقا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " (١).

وكذا الرازي فقال: "أن قوله: لا تحزن نهي عن الحزن مطلقا، والنهي يوجب الدوام والتكرار، وذلك يقتضي ألا يحزن أبو بكر بعد ذلك البتة، قبل الموت وعند الموت وبعد الموت" (٢).

وقال الألوسي: "وألا تَحْزَنْ، ليس المقصود منه حقيقة النهي عن الحزن فإنه من الأمور التي لا تدخل تحت التكليف بل المقصود منه التسلية للصديق رضي الله تعالى عنه أو نحوها" (٣).

وزاد ابن سعدي: "أن الحزن قد يعرض لخواص عباد الله الصديقين، مع أن الأولى -إذا نزل بالعبد- أن يسعى في ذهابه عنه، فإنه مضعف للقلب، موهن للعزيمة" (٤)، وهذا منفي في حق أبي بكر.

[[الفرق بين الطعن في أمور الرسالة والطعن في أمور العادات في حق النبي -صلى الله عليه وسلم-]]

قال تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦١)} [سورة التوبة: ٦١]

٦. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "الآية وما في معناها دليل على أن إيذاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- كفر، إذا كان فيما يتعلق بصفة الرسالة؛ فإن إيذاءه في رسالته، ينافي صدق الإيمان بطبيعته، وأما الإيذاء الخفيف فيما يتعلق بالعادات والشئون البشرية فهو حرام، لا كفر" (٥).


(١) معالم التنزيل في تفسير القرآن (٢/ ٣٤٩).
(٢) مفاتيح الغيب (١٦/ ٥٢).
(٣) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (٥/ ٢٩٢).
(٤) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٣٣٨).
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٠/ ٤٤٩).

<<  <   >  >>