للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[العذاب لأهل النفاق والكفر في الدنيا حسي وفي الآخرة حسي ومعنوي]]

قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٦٨)} [سورة التوبة: ٦٨].

٧. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "والظاهر من العطف أنه نوع من العذاب نفسي معنوي غير عذاب جهنم الحسي الخاص بها بنوعيه الظاهر والباطن" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب النفاق، في مسألة العذاب لأهل النفاق والكفر في الدنيا حسي وفي الآخرة حسي ومعنوي، بدلالة اللفظ.

وجه الاستنباط: العطف في قوله (وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) بعد قوله: (نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا) جاء على أن الأصل في العطف المغايرة، ففهمنا أن العذاب المقيم بعد النار يختلف عن عذاب النار بنوعيه الحسي والمعنوي؛ وأنه نوع آخر، وهو ما يجدونه في الدنيا من العذاب النفسي.

وقد تعرض بعض من المفسرين للعذاب المعنوي ولكن لم يذكروا العطف والمعنى الذي أفاده.

منهم الزمخشري فقال: "ولهم عذاب مقيم ولهم نوع من العذاب سوى الصلى بالنار، مقيم دائم كعذاب النار، هو ما يقاسونه من تعب النفاق الذي هم منه في بلية دائمة لا يأمنون ساعة من خوف الفضيحة ونزول العذاب إن اطلع عن أسرارهم" (٢) ومثله الرازي، وأبو السعود (٣).

وقال ابن عاشور: "وإن كان المراد به عذابا آخر تعين أنه عذاب في الدنيا وهو عذاب الخزي والمذلة بين الناس" (٤).

وقال الألوسي: "وقيل: إن الأول عذاب الآخرة وهذا عذاب ما يقاسونه في الدنيا من التعب والخوف من الفضيحة والقتل ونحوه" (٥).

[[تقرير حكم الجهاد وبيان مراتبه]]

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣)} [سورة التوبة: ١٢٣]

٨. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "اعلم أن هذه الآية قاعدة من قواعد القتال الذي نزلت أهم قواعده وأحكامه في هذه السورة والتي قبلها، وإنما وضعت هاهنا على سنة القرآن في تفريق الموضوع الواحد الكثير الأحكام في مواضع متفرقة" (٦).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٠/ ٤٦٢).
(٢) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٢٨٧).
(٣) مفاتيح الغيب (١٦/ ٩٨)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٤/ ٨١).
(٤) التحرير والتنوير (١٠/ ١٤٦)
(٥) روح المعانى (٥/ ٣٢٣).
(٦) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١١/ ٦٥).

<<  <   >  >>