للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن سعدي: "وأما من حيث النظر إلى مشيئة الله وإرادته النافذة في خلقه، التي لا خروج لأحد عنها، ولو تواترت الأسباب وتوافقت القوى، فإنهم لا يحكمون على أنفسهم أنهم سيفعلون شيئا أو يتركونه، ولهذا استثنى {وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا} أي: فلا يمكننا ولا غيرنا، الخروج عن مشيئته التابعة لعلمه وحكمته" (١).

[[التسلية بأن العاقبة للتقوى والبشارة بزوال الظالمين]]

قال تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩)} [سورة الأعراف: ١٣٩]

١٢. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "وهذا يتضمن البشارة منه عليه السلام بزوال الوثنية من تلك الأرض، وكذلك كان" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب السنن، في مسألة التسلية بأن العاقبة للتقوى والبشارة بزوال الظالمين، بدلالة مفهوم التضمن.

وجه الاستنباط: الحكم على عمل هؤلاء بالبتر والقطع، دليل على زوالهم وزوال ظلمهم وعليه ستصبح الغلبة والنصر والعاقبة لمن اتقى الله، وفي هذا بشارة وتسلية لنبي الله موسى ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

ولم يشر أحد من المفسرين، فيما اطلعت عليه، إلى معنى البشارة في هذه الآية.

بل جاءت عباراتهم في بيان معنى أن الله مهلك وقاطع خبر هؤلاء الظالمين، ومن ذلك ما قاله ابن جرير: "وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيل موسى لقومه من بني إسرائيل، يقول تعالى ذكره: قال لهم موسى: إن هؤلاء العُكوف على هذه الأصنام، الله مُهْلِكٌ ما هم فيه من العمل ومفسده، ومخسرهم فيه، بإثابته إياهم عليه العذاب المهين، "وباطل ما كانوا يعملون"، من عبادتهم إياها، فمضمحلّ، لأنه غير نافعهم عند مجيء أمر الله وحلوله بساحتهم، ولا مدافع عنهم بأسَ الله إذا نزل بهم، ولا منقذهم من عذابه إذا عذبهم في القيامة، فهو في معنى ما لم يكن" (٣).

وقال البغوي: "إن هؤلاء متبر، مهلك، ما هم فيه، والتتبير الإهلاك، وباطل مضمحل وزائل، ما كانوا يعملون" (٤)، وبنحوه قال ابن عطية (٥).


(١) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٢٩٧)
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٩/ ٩٧).
(٣) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١٣/ ٨٣).
(٤) معالم التنزيل في تفسير القرآن (٢/ ٢٢٧).
(٥) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٤٤٨).

<<  <   >  >>