للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال البيضاوي: " فاخشوه أي إن قضية الإيمان الكامل ألا يخشى المؤمن إلا ربه ولا يبالي بمن سواه" (١)، ومثله النسفي، وأبو السعود (٢).

وقال ابن عاشور: "فالله الذي أمركم بقتالهم أحق أن تخشوه إذا خطر في نفوسكم خاطر عدم الامتثال لأمره، إن كنتم مؤمنين، لأن الإيمان يقتضي الخشية من الله وعدم التردد في نجاح الامتثال له" (٣).

[[إعلام المؤمنين بأن الأيام دول مع الكفار وبشارتهم أن العاقبة لهم]]

قال تعالى: {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة التوبة: ٢٧]

٤. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "ونكتة التعبير عن هذه التوبة، وما يتلوها من المغفرة والرحمة، بصيغة الفعل المستقبل "يتوب" إعلام المؤمنين بأن ما وقع في حنين من إيمان أكثر من بقي من الذين غلبوا وعذبوا بنصر المؤمنين عليهم، سيقع مثله لكل الذين يقدمون على قتال المؤمنين بعد عودة حال الحرب بينهم، فإن من سنة الله في الاجتماع البشري أن يميز الخبيث من الطيب بمثل ذلك، وما من حرب من حروب المسلمين الدينية الصحيحة إلا وكان عاقبتها كذلك، ولما صار الإسلام جنسية، وحروب أهله أهواء دنيوية فقدوا ذلك" (٤).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب السنن، في مسألة إعلام المؤمنين بأن الأيام دول مع الكفار وبشارتهم أن العاقبة لهم، بدلالة التضمن.

وجه الاستنباط: ما وقع للمسلمين يوم حنين، سيقع مثله فيما يستقبل من الزمن، وما من حرب من حروب المسلمين الدينية الصحيحة إلا وكان عاقبتها للمؤمنين، فعند قتال الكافرين للمؤمنين بعد عودة الحرب بينهم، ستكون العاقبة للمتقين، ثم الله غفور لعباده الذين عادوا الله في الاجتماع البشري، وإن الله بتلك السنة يميز الخبيث من الطيب، وإن حروب أهل الإسلام نصرة للدين ووفق سنة الله، وحروب غيرهم حروب أهواء دنيوية.

قال أبو جعفر: "يقول تعالى ذكره: ثم يتفضل الله بتوفيقه للتوبة والإنابة إليه، من بعد عذابه الذي به عذَّب من هلك منهم قتلا بالسيف (على من يشاء)، أي يتوب الله على من يشاء من الأحياء، يُقْبِل به إلى طاعته" (٥).


(١) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٣/ ٧٤).
(٢) مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٦٦٨)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٤/ ٤٩).
(٣) التحرير والتنوير (١٠/ ١٣٤).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٠/ ٢٢١).
(٥) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١٤/ ١٩٠).

<<  <   >  >>