للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٦. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وهذه الآية تدل على أن سبب لعن الله للأمم هو إيمانها بالخرافات والأباطيل والطغيان، وأنه تعالى إنما ينصر المؤمنين باجتنابهم ذلك، وتدل بطريق اللزوم على أن الأمم المغلوبة تكون أقرب إلى الجبت والطاغوت من الأمم الغالبة المنصورة، فليحاسب المسلمون أنفسهم بها وبما في معناها من الآيات" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب السنن، في مسألة الأمم المغلوبة أقرب إلى الجبت والطاغوت من الأمم الغالبة، بدلالة اللزوم.

وجه الاستنباط: إيمان الأمم بالخرافات والأباطيل والتصديق بالجبت والطاغوت، كان سبب سخط الله وغضبه واستحقاق اللعن الشديد والبعد عن رحمته، والأمم المغلوبة تكون أقرب إلى الجبت والطاغوت من الأمم الغالبة، والغلبة والنصر من الله جارٍ وفق سنن الله الكونية، ولا يكون إلا بتحقيق الإيمان بالله واجتناب كل صور الشرك من اتباع الطواغيت وغيرهم.

قال أبو جعفر: "يعني جل ثناؤه بقوله: (أولئك)، هؤلاء الذين وصف صفتهم أنهم أوتوا نصيبًا من الكتاب وهم يؤمنون بالجبت والطاغوت، هم (الذين لعنهم الله)، يقول: أخزاهم الله فأبعدهم من رحمته، بإيمانهم بالجبت والطاغوت، وكفرهم بالله ورسوله عنادًا منهم لله ولرسوله، وبقولهم للذين كفروا: (هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا)، (ومن يلعن الله)، يقول: ومن يخزه الله فيبعده من رحمته (فلن تجد له نصيرًا)، يقول: فلن تجد له يا محمد، ناصراً ينصره من عقوبة الله ولعنته التي تحلّ به، فيدفع ذلك عنه" (٢).

قال ابن كثير: "وهذا لعن لهم، وإخبار بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الآخرة، لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين، وإنما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم، وقد أجابوهم، وجاؤوا معهم يوم الأحزاب، حتى حفر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حول المدينة الخندق، فكفى الله شرهم (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا) " (٣).

قال ابن عطية: " (ولَعَنَهُمُ) معناه: أبعدهم من خيره ومقتهم، ومن يفعل الله ذلك به ويخذله فلا ناصر له من المخلوقين، وإن نصرته طائفة، فنصرتها كلا نصرة، إذ لا تغني عنه شيئا" (٤).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ١٢٩).
(٢) جامع البيان في تأويل آي القرآن ت شاكر (٨/ ٤٧١).
(٣) تفسير القرآن العظيم، ت سلامة (٢/ ٣٣٤).
(٤) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٦٧).

<<  <   >  >>