للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[نصر الله للمؤمنين سنة لا تتخلف عمن حقق أسبابها منهم]]

قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤)} [سورة الأنعام: ٣٤]

١٠. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "ومن العبرة في الآية أن الله تعالى وعد المؤمنين ما وعد المرسلين من النصر، فقال: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١)} [سورة غافر: ٥١]، وقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)} [سورة الروم: ٤٧]، وهي نص في تعليل النصر بالإيمان، ولكننا نرى كثيرا من الذين يدعون الإيمان في هذه القرون الأخيرة غير منصورين، فلا بد أن يكونوا في دعوى الإيمان غير صادقين، أو يكونوا ظالمين غير مظلومين، ولأهوائهم لا لله ناصرين، ولسننه في أسباب النصر غير متبعين، وإن الله لا يخلف وعده ولا يبطل سننه، وإنما ينصر المؤمن الصادق وهو من يقصد نصر الله وإعلاء كلمته، ويتحرى الحق والعدل في حربه لا الظالم الباغي على ذي الحق والعدل من خلقه" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب السنن، في مسألة نصر الله للمؤمنين سنة لا تتخلف عمن حقق أسبابها منهم، بدلالة جمع الآيات.

وجه الاستنباط: من سنن الله لأهل الإيمان الصحيح أن عاقبة صبرهم على التكذيب وأصناف الأذى أن يتحقق لهم نصر الله، وأن هذا وعد لا بد أن يتحقق، وبين أن سبب عدم نصر الذين يدعون الإيمان في عصرنا الحاضر هو أنهم غير صادقين في إيمانهم، وأن نصر الله حق لمن قصد نصر الله وإعلاء كلمته وتحرى العدل والصدق والحق في كل أفعاله، فيدعوهم إلى مراجعة إيمانهم وتقويته.

قال البيضاوي: "حتى أتاهم نصرنا فيه إيماء بوعد النصر للصابرين، ولا مبدل لكلمات الله لمواعيده من قوله: ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين الآيات" (٢)، ومثله النسفي (٣).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٣١٧).
(٢) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٦٠).
(٣) مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٥٠١).

<<  <   >  >>