[الدراسة]
استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب السياسة الشرعية، في مسألة إقامة العدل وتطبيق الحدود منوط بالدولة القوية المستقرة، بدلالة الاقتضاء.
وجه الاستنباط: تنفيذ حدود الله وإقامة العدل لا يتم إلا في حال قوة الدين وقيام دولته وشرعه، وهذا حق في المسألة، ويدل عليه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقم هذه الحدود إلا بعد قيام دولة المدينة، فإن مقصد إقامة هذه الحدود لا يتحقق إلا بدولة ذات سلطان، يتحقق من خلالها مقاصد الشريعة في تلك الحدود.
وهذا من الاستنباطات الرائعة للشيخ رشيد رضا التي انفرد بها عن المفسرين، وهي من المسائل التي اعتنت بها كتب ودراسات السياسة الشرعية.
وهذا استنباط لم يسبق إليه الشيخ، فيما بحثته من كتب التفسير.
[[عداوة اليهود والنصارى للنبي -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين مبنية على الحمية للعرق لا الدين]]
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١)} [سورة المائدة: ٥١]
١٢. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "ونكتة التعبير عنهم باليهود والنصارى دون أهل الكتاب هي أن معاداتهم للنبي والمؤمنين إنما كانت بحسب جنسياتهم السياسية، لا من حيث أن كتابهم يأمرهم بذلك" (١).
[الدراسة]
استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الولاء والبراء، في مسألة عداوة اليهود والنصارى للنبي -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين مبنية على الحمية للعرق لا الدين، بدلالة اللفظ.
وجه الاستنباط: استخدام لفظ أصل الانتماء العرقي بدلا من لفظ الانتماء الديني يدل على الحمية العرقية، وكيف أن سبب العداوة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين مبنية على الحمية العرقية عند اليهود والنصارى، وأن كتبهم بريئة من هذه الحمية الجاهلية، وهذه المسألة قد بينت العقيدة الإسلامية، في أصل الولاء والبراء، أن الحمية الشرعية تكون في الدين وللمؤمنين حسب إيمانهم وديانتهم، ولا تكون هذه الحمية لعرق أو جنس أو وطن أو غير ذلك من أصول الجاهلية.
وهذا استنباط جميل للشيخ لم أجد من المفسرين من تكلم عنه في ظل هذه الآية.
وهذه مسألة قد تقررت في مصادر العقيدة الإسلامية، في أصل الولاء والبراء ومعناه.
(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٦/ ٣٥٢)