للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[الختم على القلوب سنة الله فيمن فقد دواعي النظر والفكر في أدلة الإيمان]]

قال تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٧)} [سورة البقرة: ٧]

٣. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "أسند الختم على قلوبهم وعلى سمعهم إلى الله تعالى؛ لأنه بيان لسنته تعالى في أمثالهم، وعبر عنه بالماضي للدلالة على أنه أمر قد فرغ منه، وهو لا يدل على أنهم مجبورون على الكفر، ولا على منع الله تعالى إياهم منه بالقهر، وإنما هو تمثيل لسنته تعالى في تأثير تمرنهم على الكفر وإعماله في قلوبهم بأنه استحوذ عليها" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا لغويا، في باب المسند والمسند إليه، في مسألة خروج الكلام على مقتضى الظاهر، بدلالة الأسلوب، من إسناد الفعل للفاعل الحقيقي، في مسألة أن الختم على القلوب سنة الله فيمن فقد دواعي النظر والفكر في أدلة الإيمان.

وجه الاستنباط: إسناد الختم على القلوب والأسماع يكون إلى الله، وتلك سنة الله في مثلهم ممن عطل فكره ونظره عن الإيمان بالله تعالى، فهم ممنوعون من وصول الحق إلى قلوبهم فلا ينفذ إليها الحق ولا يخرج منها الباطل، وهذا بسبب مكابرتهم وإعراضهم، فإنهم عندما أعرضوا عن الحق عاقبهم الله بالختم لفقدهم الدواعي والأسباب التي تعطفهم إلى النظر والفكر في أدلة الإيمان ومحاسنه، وإسناد الختم إلى الله إسناد صحيح إذ هو إسناد للفاعل الحقيقي لأن الله هو خالق كل شيء، وفي هذا تقرير لمنهج أهل السنة والجماعة في مسألة القدر، والرد على مخالفيهم، الذين يزعمون أن الله أكرههم على الكفر وقهرهم عليه.

وإلى هذا أشار بعض المفسرين، ومنهم:

ابن جرير فقال: "أخبر -صلى الله عليه وسلم- أن الذنوب، إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله عز وجل والطبع، فلا يكون للإيمان إليها مسلك، ولا للكفر منها مخلص، فذلك هو الطبع والختم الذي ذكره الله تبارك وتعالى" (٢). وكذا السمعاني (٣)، وابن كثير، وأبو حيان، والقرطبي، وابن عاشور (٤).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ١٢٠).
(٢) جامع البيان في تأويل آي القرآن (١/ ٢٦٧)
(٣) منصور بن محمد أبو المظفّر السّمعانيّ التميميّ المروزيّ، الحنفي، ثم الشافعي، صنف في الفقه، والتفسير، والحديث، والأصول: «فالتفسير» في ثلاث مجلدات، وكتاب «البرهان والاصطلام»، وكتاب «القواطع في أصول الفقه» وكتاب «المنهاج لأهل السنة»، توفي سنة ٤٨٩ هـ، طبقات المفسرين للداوودي (٢/ ٣٣٩)، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (٥/ ٣٣٥).
(٤) تفسير السمعاني (١/ ٤٧)، تفسير القرآن العظيم (١/ ١٧٤)، البحر المحيط (١/ ٧٩) (١/ ٨٠)، الجامع لأحكام القرآن (١/ ١٨٧)، التحرير والتنوير (١/ ٢٥٠) (١/ ٢٥٣).

<<  <   >  >>