للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢٥. قال الشيخ محمد -رحمه الله-: "والنكتة في التعبير عن ظفر المؤمنين بالفتح وأنه من الله، وعن ظفر الكافرين بالنصيب هي إفادة أن العاقبة في القتال للمؤمنين، فهم الذين يكون لهم الفتح والاستيلاء على الأمم الكافرة، ولكن الحرب سجال قد يقع في أثنائها نصيب من الظفر للكافرين لا ينتهي إلى أن يكون فتحا يستولون به على المؤمنين، وذلك أن الله تعالى وعد المؤمنين بالنصر في مثل قوله: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الروم: ٤٧] " (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب ولاية الله للمؤمنين، في مسألة تعظيم شأن المؤمنين وأن العاقبة لهم وتخسيس حظ الكافرين، بدلالة لفظ الآية.

وجه الاستنباط: التعبير بالفتح في جانب المؤمنين أضاف معنى أن العاقبة والغلبة والنصر والغنيمة والفصل في القتال يكون للمؤمنين وهذا وعد من الله لا بد أن يتحقق، وهذا من عظيم ما منّ الله به عليهم، وقد يحدث ظفر للكافرين على المؤمنين، فيكون لهم دولة وظهور لكن لا يعد فتحا ولا نصرا، وإنما هذا من سنن الحروب، وهذا تقليل لما ظفروا به وتحقير لشأنهم.

قال الزمخشري: "فإن قلت: لم سمى ظفر المسلمين فتحا، وظفر الكافرين نصيبا؟، قلت: تعظيما لشأن المسلمين وتخسيسا لحظ الكافرين لأن ظفر المسلمين أمر عظيم (٢)، تفتح لهم أبواب السماء حتى ينزل على أولياء الله، وأما ظفر الكافرين فما هو إلا حظ دنيء، ولمظة من الدنيا يصيبونها" (٣)، ونقل ذلك الرازي ومثله عند أبو حيان (٤).

وقال ابن كثير: " {فإن كان لكم فتح من الله} أي: نصر وتأييد وظفر وغنيمة {قالوا ألم نكن معكم} أي: يتوددون إلى المؤمنين بهذه المقالة {وإن كان للكافرين نصيب} أي: إدالة على المؤمنين في بعض الأحيان، كما وقع يوم أحد، فإن الرسل تبتلى ثم يكون لها العاقبة" (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ٣٧٨).
(٢) قال صاحب حاشية الانتصاف فيما تضمنه الكشاف: قال محمود: «سمى ظفر المسلمين فتحا تعظيما لشأن المسلمين … الخ»، قال أحمد: وهذا من محاسن نكت أسرار القرآن، فان الذي كان يتفق للمسلمين فيه: استئصال لشأفة الكفار واستيلاء على أرضهم وديارهم وأموالهم وأرض لم يطؤوها، وأما ما كان يتفق للكفار فمثل الغلبة والقدرة التي لا يبلغ شأنها أن تسمى فتحا، فالتفريق بينهما مطابق أيضا للواقع، والله أعلم.
(٣) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٥٧٨).
(٤) مفاتيح الغيب (١١/ ٢٤٨)، البحر المحيط في التفسير (٤/ ١٠٤).
(٥) تفسير القرآن العظيم (٢/ ٤٣٦).

<<  <   >  >>