للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن سعدي: "وفي هذا إثبات عصمة الرسل فيما يبلغونه عن الله، وفيما يأمرون به وينهون عنه؛ لأن الله أمر بطاعتهم مطلقا، فلولا أنهم معصومون لا يشرعون ما هو خطأ، لما أمر بذلك مطلقا" (١).

[[حقيقة الاستغفار ولوازمه]]

قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (٦٤)} [سورة النساء: ٦٤]

١٠. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "يعني أن ما اعتاده الناس من تحريك اللسان بلفظ: "أستغفر الله" لا يعد طلبا للمغفرة؛ لأن الطلب الحقيقي ينشأ عن الشعور بالحاجة إلى المطلوب، فلا بد أن يشعر القلب أولا بألم المعصية وسوء مغبتها، وبالحاجة إلى التزكي من دنسها، ولا يكون هذا إلا بما ذكر الأستاذ من التوجه القلبي إلى الله بالصدق والإخلاص والعزم القوي على اجتناب سبب هذا الدنس، وهو المعصية" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب السلوك، في مسألة حقيقة الاستغفار ولوازمه، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: أن طلب الاستغفار ليس قولاً باللسان فقط وإنما لا بد أن يستشعر القلب عظم الذنب والحاجة إلى عفو الله ومغفرته، وعليه فلا بد من تطابق الحال والمقال، وهذا إرشاد منه إلى الكيفية الصحيحة للاستغفار ليحقق ثمراته من رضا الله وتوفيقه.

وقد أشار بعض المفسرين إلى المعنى العام للاستغفار، ولم يتطرقوا إلى ما أشار إليه الشيخ، فقال الزمخشري: "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم بالتحاكم إلى الطاغوت جاؤك تائبين من النفاق متنصلين عما ارتكبوا فاستغفروا الله من ذلك بالإخلاص، وبالغوا في الاعتذار إليك من إيذائك برد قضائك، حتى انتصبت شفيعا لهم إلى الله ومستغفرا لوجدوا الله توابا لعلموه توابا، أى لتاب عليهم" (٣)، ومثله قال البيضاوي، وأبو السعود (٤).

قال ابن سعدي: "ثم أخبر عن كرمه العظيم وجوده، ودعوته لمن اقترفوا السيئات أن يعترفوا ويتوبوا ويستغفروا الله فقال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} أي: معترفين بذنوبهم باخعين بها. {فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} أي: لتاب عليهم بمغفرته ظلْمَهم، ورحمهم بقبول التوبة والتوفيق لها والثواب عليها" (٥).


(١) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (١/ ١٨٤).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ١٩١).
(٣) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٥٢٨).
(٤) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ٨١)، وإرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٢/ ١٩٧).
(٥) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ١٨٤).

<<  <   >  >>