للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[أهمية التقوى وعلاقتها بصلاح القلوب]]

قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣)} [سورة البقرة: ٢٠٣]

٣٢. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "أمر بالتقوى بعد الإعلام بمكانتها فقال: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) "، ثم قال: "ومن فوائد هذا الأسلوب أن تكرار الأمر بالذكر وبيان مكانة التقوى، ثم الأمر بها تصريحا في هذه الآيات التي فيها من الإيجاز ما هو في أعلى درجات الإعجاز، حتى سكت عن بعض المناسك الواجبة للعلم بها" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الإيمان، في مسألة أهمية التقوى وعلاقتها بصلاح القلوب، بدلالة التكرار.

وجه الاستنباط: تقوى الله بامتثال أوامره واجتناب نواهية هي المطلب في أي عبادة لله عزوجل، ولا سبيل لتحقيق هذا إلا بذكر الله في السر والعلن، وبهذا يتحقق معنى التقوى، ولذا كان في تكرار لفظة التقوى بعد الإعلام بمكانتها إشارة وتأكيداً لأهميتها.

قال الرازي: "قوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ) فهو أمر في المستقبل، وهو مخالف لقوله: (لِمَنِ اتَّقى) الذي أريد به الماضي فليس ذلك بتكرار، وقد علمت أن التقوى عبارة عن فعل الواجبات وترك المحرمات، فأما قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فهو تأكيد للأمر بالتقوى، وبعث على التشديد فيه، لأن من تصور أنه لا بد من حشر ومحاسبة ومساءلة، وأن بعد الموت لا دار إلا الجنة أو النار، صار ذلك من أقوى الدواعي له إلى التقوى (٢).

وزاد الألوسي: "وهو تأكيد للأمر بالتقوى وموجب للامتثال به، فإن من علم بالحشر والمحاسبة والجزاء كان ذلك من أقوى الدواعي له إلى ملازمة التقوى " (٣).

وقال ابن سعدي: "فمن اتقى الله في كل شيء، حصل له نفي الحرج في كل شيء، ومن اتقاه في شيء دون شيء، كان الجزاء من جنس العمل، (وَاتَّقُوا اللَّهَ) بامتثال أوامره واجتناب معاصيه، (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فمجازيكم بأعمالكم، فمن اتقاه، وجد جزاء التقوى عنده، ومن لم يتقه، عاقبه أشد العقوبة، فالعلم بالجزاء من أعظم الدواعي لتقوى الله، فلهذا حث تعالى على العلم بذلك" (٤).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ١٩٥).
(٢) مفاتيح الغيب (٥/ ٣٤٣).
(٣) روح المعانى (١/ ٤٨٩).
(٤) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (١/ ٩٣).

<<  <   >  >>