للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[العبرة في المدح والذم متوقفة على معرفة الحق وتقريره] قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [سورة آل عمران ٢١] قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- إن هذا القيد يقرر لنا أن العبرة في ذم الشيء ومدحه تدور مع الحق وجودا وعدما لا مع الأشخاص والأصناف، وقال والإقدام على قتل هؤلاء دليل على غمط العقل ومقت العدل، وأقبح بذلك جرما وكفى به إثما (١). الدراسة استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب العلم، في مسألة العبرة في المدح والذم متوقفة على معرفة الحق وتقريره، بدلالة المفهوم. وجه الاستنباط قررت الآية أن قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير حق، وهذا تأكيد لمعنى قتل الأنبياء وأنه لا يكون بحق بحال، إذ لا مفهوم مراد من الآية، وأن قتلهم غاية الكفر والعناد، فالحق في طاعتهم والإيمان بهم وتوقيرهم وتعزيرهم، كما أمر الله جل وعلا في كتابه، وهذه إشارة عظيمة إلى دوران الشريعة مع العقل والعدل، فيجب أن يُفهم هذا. قال ابن جرير أنهم كانوا يقتلون رُسل الله الذين كانوا يُرسَلون إليهم بالنهي عما يأتون من معاصي الله، وركوب ما كانوا يركبونه من الأمور التي قد تقدم الله إليهم في كتبهم بالزجر عنها (٢). قال ابن عطية إن هذه الآية في اليهود والنصارى، وتعم كل من كان بهذه الحال، والآية توبيخ للمعاصرين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمساوئ أسلافهم وببقائهم أنفسهم على فعل ما أمكنهم من تلك المساوئ لأنهم كانوا حرصى على قتل محمد عليه السلام (٣). وقال أبو السعود هم أهلُ الكتاب قتل أوّلوهم الأنبياءَ عليهم السلام وقتلو أتباعَهم وهم راضون بما فعلوا، وكانوا قاتلهم الله تعالى حائمين حول قتلِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لولا أن عصَم الله تعالى ساحتَه المنيعة وقد أُشير إليه بصيغة الاستقبال وقرئ بالتشديد للتكثير والتقييدُ بغير حق للإيذان بأنه كان عندهم أيضاً بغير حق (٤). قال ابن سعدي هؤلاء الذين أخبر الله عنهم في هذه الآية، أشد الناس جرما وأي جرم أعظم من الكفر بآيات الله التي تدل دلالة قاطعة على الحق الذي من كفر بها فهو في غاية الكفر والعناد ويقتلون أنبياء الله الذين حقهم أوجب الحقوق على العباد بعد حق الله، الذين أوجب الله طاعتهم والإيمان بهم، وتعزيرهم، وتوقيرهم، ونصرهم وهؤلاء قابلوهم بضد ذلك، ويقتلون أيضا الذين يأمرون الناس بالقسط الذي هو العدل، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي حقيقته إحسان إلى المأمور ونصح له، فقابلوهم شر مقابلة، فاستحقوا بهذه الجنايات المنكرات أشد العقوبات، وهو العذاب المؤلم البالغ في الشدة إلى غاية لا يمكن وصفها، ولا يقدر قدرها المؤلم للأبدان والقلوب والأرواح (٥). وقال ابن عاشور وقوله بغير (حق) ظرف مستقر في موضع الحال المؤكدة لمضمون جملة يقتلون النبيين إذ لا يكون قتل النبيين إلا بغير حق، وليس له مفهوم لظهور عدم إرادة التقييد والاحتراز فإنه لا يقتل نبي بحق (٦).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٣/ ٢١٦).
(٢) جامع البيان في تأويل آي القرآن (٦/ ٢٨٤).
(٣) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (١/ ٤١٤).
(٤) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٢/ ١٩).
(٥) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ١٢٦).
(٦) التحرير والتنوير (٣/ ٢٠٦).

<<  <   >  >>