للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الأسماء والصفات، في مسألة إثبات صفة علو الله جل جلاله، وأنه لا تحدّه جهة ولا يحصره مكان، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: ألفاظ (التحيز والجهة) من المسائل المشتهرة عند أهل الكلام ومنتشرة في كتبهم، وهي من الألفاظ المجملة التي ليس لها أصل في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا قالها أحد من سلف الأمة وأئمتها في حق الله تعالى، لا نفياً ولا إثباتاً، وهذا القول نصره شيخ الإسلام ابن تيمية (١)، وهذا ما قرره الشيخ في استنباطه بناء على قاعدة أهل السنة في التفصيل في مسألة الألفاظ المجملة.

والقاعدة عند أهل السنة في الألفاظ المجملة هي التفصيل، فإن قصد بها مطلق الفوقية دون حد فنسبتها لله سبحانه وتعالى صحيحة، وإن قصد بها الحيز واحتواء مكان فهي ممنوعة مستحيلة، ولا ينبغي العدول إلى هذه الألفاظ المجملة، إلا عند الحاجة، مع قرائن تبين المراد بها.

وجاء في شرح الطحاوية: "كل هذه الألفاظ المجملة عرضة للمحق والمبطل، وأما لفظ الجهة، فقد يراد به ما هو موجود، وقد يراد به ما هو معدوم، ومن المعلوم أنه لا موجود إلا الخالق والمخلوق، فإذا أريد بالجهة أمر موجود غير الله تعالى كان مخلوقا، والله تعالى لا يحصره شيء، ولا يحيط به شيء من المخلوقات، تعالى الله عن ذلك، وإن أريد بالجهة أمر عدمي، وهو ما فوق العالم، فليس هناك إلا الله وحده، فإذا قيل: إنه في جهة بهذا الاعتبار، فهو صحيح، ومعناه: أنه فوق العالم حيث انتهت المخلوقات فهو فوق الجميع، عال عليه" (٢).

قال ابن سعدي: " {ولله المشرق والمغرب} خصهما بالذكر، لأنهما محل الآيات العظيمة، فهما مطالع الأنوار ومغاربها، فإذا كان مالكا لها، كان مالكا لكل الجهات، {فأينما تولوا} وجوهكم من الجهات، إذا كان توليكم إياها بأمره، إما أن يأمركم باستقبال الكعبة بعد أن كنتم مأمورين باستقبال بيت المقدس، أو تؤمرون بالصلاة في السفر على الراحلة ونحوها، فإن القبلة حيثما توجه العبد أو تشتبه القبلة، فيتحرى الصلاة إليها، ثم يتبين له الخطأ، أو يكون معذورا بصلب أو مرض ونحو ذلك، فهذه الأمور، إما أن يكون العبد فيها معذورا أو مأمورا، وبكل حال، فما استقبل جهة من الجهات، خارجة عن ملك ربه" (٣).


(١) شيخ الإسلام، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني الحنبلي، إمام أهل السنة، الفقيه المجتهد، المجدد، ولد سنة ٦٦١ هـ، برع في الفتاوى ومحاجة المنكرين، والتفسير، وغيرها، بلغت مؤلفات أكثر من ٣٣٠ مؤلف، توفي سنة ٧٢٨ هـ. البداية والنهاية ١٤/ ١٣٥، أبجد العلوم (ص: ٦٤١).
(٢) شرح الطحاوية، ط دار السلام (ص: ٢٢١).
(٣) تيسير الكريم الرحمن (ص: ٦٣).

<<  <   >  >>