للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[معرفة الأحكام لا تتحقق إلا بجمع الأدلة ومناقشتها]]

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨)} [سورة البقرة: ٢٠٨]

٣٧. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "هذه كلمة عظيمة، وقاعدة لو بنى جميع علماء الدين مذاهبهم عليها لما تفاقم أمر الخلاف في الأمة، ذلك أنها تفيد وجوب أخذ الإسلام بجملته، بأن ننظر في جميع ما جاء به الشارع في كل مسألة من نص قولي وسنة متبعة، ونفهم المراد من ذلك كله ونعمل به، لا أن يأخذ كل واحد بكلمة أو سنة ويجعلها حجة على الآخر، وإن أدت إلى ترك ما يخالفها من النصوص والسنن، وحملها على النسخ أو المسخ بالتأويل، أو تحكيم الاحتمال بلا حجة ولا دليل" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب فقه كليات الشريعة، في مسألة معرفة الأحكام لا تتحقق الا بجمع الأدلة في المسألة ومناقشتها، للوصول، بدلالة اللزوم.

وجه الاستنباط: العلماء هم ورثة الأنبياء، وهم الذين لهم الحق في معرفة أحكام الشريعة واستنباطها، وهذا يتم بالنظر في كليات الشريعة وأدلتها على حد سواء، وفهمها واستخراج الأحكام من خلالها، وإن سبب كثير من الاختلافات هو إهمال الكليات والأخذ بالأدلة التفصيلية في أحكام المسائل بما يوافق مذهبا معينا ثم الاحتجاج به على الآخرين، مما يترتب عليه توسع الخلاف، وإهمال كثير من الأدلة وردها بدعوى النسخ أو التأويل.

وهذا المعنى مما انفرد به الشيخ، وهو معنى بديع في تأصيله لم يتطرق إليه أهل التفسير الذين اقتصروا على المعنى العام لمعنى الدخول في السلم كافة.

قال ابن جرير: "إن الله جل ثناؤه أمر الذين آمنوا بالدخول في العمل بشرائع الإسلام كلها، وقد يدخل في"الذين آمنوا" المصدِّقون بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به، والمصدقون بمن قبله من الأنبياء والرسل، وما جاءوا به، وقد دعا الله عز وجل كلا الفريقين إلى العمل بشرائع الإسلام وحدوده، والمحافظة على فرائضه التي فرضها، ونهاهم عن تضييع شيء من ذلك، فالآية عامة لكل من شمله اسم"الإيمان"، فلا وجه لخصوص بعض دون بعض" (٢). ومثله ابن كثير، والبغوي، والرازي، وأبو حيان وابن سعدي (٣).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٢٠٥).
(٢) جامع البيان (٤/ ٢٥٧).
(٣) جامع البيان (٤/ ٢٥٣)، تفسير القرآن العظيم (١/ ٥٦٦)، معالم التنزيل في تفسير القرآن (١/ ٢٤٠)، مفاتيح الغيب (٥/ ٣٥٢)، البحر المحيط في التفسير (٢/ ٣٣٨)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (١/ ٩٤).

<<  <   >  >>