للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• ومن أمثلة استعماله للغة في التفسير:

ما قاله عند قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا} [سورة الأعراف: ٣٣] قال: "الإثم والبغي، تقدم أن الإثم في اللغة هو القبيح الضار فهو يشمل جميع المعاصي: الكبائر منها كالفواحش والخمر، والصغائر كالنظر واللمس بشهوة لغير الحليلة وهو اللمم، ومنه قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا} [سورة النجم: ٣٢]، فعطف الفواحش على كبائر الإثم لا على الإثم، وهو من عطف الخاص على العام، وكذلك عطف البغي على الإثم هنا من عطف الخاص على العام، ومعناه في أصل اللغة: طلب لما ليس بحق أو بسهل أو ما تجاوز الحد، وقالوا: بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد، أو تجاوز الحد في فساده" (١).

وقال في موضع آخر: "وقد خرج الزمخشري بهذا عن الظاهر المتبادر من استعمال لفظي القضاء وإقامة الصلاة في القرآن، وهو الدقيق في فهم اللغة وتفسير أكثر الآيات بما يفصح عنه صميمها المحض، أسلوبها الغض فسبحان المنزه عن الذهول والسهو" (٢).

• رده في تفسيره على الفرق الضالة:

مثال ذلك ما استدل به عند تفسير قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ} [سورة الأنعام: ١٣٣] حيث أورد حديث أبي ذر (٣) رضي الله عنه عن النبي عن الله تبارك وتعالى أنه: ((قال: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدونى أهدكم، يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعمونى أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته فاستكسونى أكسكم، يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفرونى أغفر لكم، يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)) (٤)، ثم قال والحديث حجة على الجبرية كالآيات (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ٣٥١ - ٣٥٢).
(٢) تفسير المنار (٥/ ٣١٣).
(٣) جندب بن جنادة بن كعيب بن صعير بن الوقعة بن حرام بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار، أسلم والنبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة أول الإسلام، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا تأخذه في الله لومة لائم، وعلى أن يقول الحق، وإن كان مرا، توفي بالربذة سنة إحدى وثلاثين، وقيل في التي بعدها، أنظر: أسد الغابة ط العلمية (١/ ٥٦٢)، الطبقات الكبرى ط العلمية (٤/ ١٦٥)، الإصابة في تمييز الصحابة (٧/ ١٠٩).
(٤) رواه مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، ح (٢٥٧٧)
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ١٠٠).

<<  <   >  >>