للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن جرير: "وذلك أن الرب جلّ جلاله الذي له ملك السموات والأرض، ومدبر ذلك، لا يجوز أن يكون جسدًا له خوار، لا يكلم أحدًا ولا يرشد إلى خير" (١).

وقال ابن عطية: "بين الله تعالى سوء فطرهم وقرر فساد اعتقادهم بقوله: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ} الآية، وذلك أن الصامت الجماد لا يتصف بالإلهية والذي لا يرشد إلى خير ولا يكشف غما كذلك" (٢).

وقال الرازي أيضا: "واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم هذا المذهب والمقالة احتج على فساد كون ذلك العجل إلها بقوله: {ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين}، وتقرير هذا الدليل أن هذا العجل لا يمكنه أن يكلمهم ولا يمكنه أن يهديهم إلى الصواب والرشد، وكل من كان كذلك كان إما جمادا وإما حيوانا عاجزا وعلى التقديرين فإنه لا يصلح للإلهية، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن من لا يكون متكلما ولا هاديا الى السبيل لم يكن إلها لأن الإله هو الذي له الأمر والنهي، وذلك لا يحصل إلا إذا كان متكلما، فمن لا يكون تكلما لم يصح منه الأمر والنهي، والعجل عاجز عن الأمر والنهي فلم يكن إلها" (٣)، ووفقهم أيضا القرطبي، وأبو السعود، وابن عاشور، وابن سعدي (٤).

[[لشدة فتنة المال ومشقة بذله جعل الله الزكاة سببا عظيما لتحصيل رحمته]]

قال تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (١٥٦)} [سورة الأعراف: ١٥٦]

١٤. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "وخص الزكاة بالذكر دون الصلاة، وما دونها من الطاعات؛ لأن فتنة حب المال تقتضي بنظر العقل والاختبار بالفعل أن يكون المانعون للزكاة أكثر من التاركين لغيرها من الفرائض، وفيه إشارة إلى شدة حب اليهود للدنيا وافتتانهم بجمع المال ومنع بذله في سبيل الله" (٥).


(١) جامع البيان في تأويل آي القرآن ت شاكر (١٣/ ١١٧).
(٢) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٤٥٥).
(٣) مفاتيح الغيب (١٥/ ٣٦٨).
(٤) الجامع لأحكام القرآن (٧/ ٢٨٥)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٣/ ٢٧٣)، التحرير والتنوير (٩/ ١١٠)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٣٠٣)، واستنباطات السعدي رقم ٥٢٦.
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٩/ ١٩٣).

<<  <   >  >>