للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن عاشور: "وجاء في تقتلون بالمضارع عوضا عن الماضي لاستحضار الحالة الفظيعة وهي حالة قتلهم رسلهم مع ما في صيغة تقتلون من مراعاة الفواصل فاكتمل بذلك بلاغة المعنى وحسن النظم" (١).

قال الألوسي: "وعبر بالمضارع حكاية للحال الماضية واستحضارا لصورتها لفظاعتها واستعظامها، أو مشاكلة للأفعال المضارعة الواقعة في الفواصل فيما قبل، أو للدلالة على أنكم الآن فيه فإنكم حول قتل محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ولولا أني أعصمه لقتلتموه ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة، فالمضارع للحال ولا ينافيه قتل البعض" (٢).

[[تحريم الطيبات تدينا خروج عن الفطرة والشريعة]]

قال تعالى: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [سورة المائدة: ٨٨]

١٧. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "الأمر ههنا للوجوب لا للإباحة، فهو ليس من الأمر بالشيء بعد النهي عنه المفيد للإباحة فقط، كقوله تعالى: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) [سورة المائدة: ٢] وإنما هو تصريح بأن امتثال النهي عن تحريم الطيبات لا يتحقق إلا بالانتفاع بها فعلا، إذ ليس المراد بتحريمها المنهي عنه تحريمها بمجرد القول أو بالاعتقاد، بل المراد به أولا وبالذات الامتناع منها عمدا تقربا إلى الله تعالى بتعذيب النفس وحرمانها، أو إضعافها للجسد توهما أن إضعافه يقوي الروح، أو لغير ذلك من الأسباب والعلل، وحكمة النهي عن ذلك أن الله تعالى يحب من عباده أن يقبلوا نعمه ويستعملوها فيما أنعم بها لأجله ويشكروا له ذلك، ويكره لهم أن يجنوا على الفطرة التي فطرهم عليها، فيمنعوها حقوقها" (٣).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الفطرة، في مسألة تحريم الطيبات تدينا خروج عن الفطرة والشريعة، بدلالة التضمن.

وجه الاستباط: أمر الله بالأكل من الطبيبات تأكيدا على النهي عن تحريم هذه الطيبات وأن تحريمها لا يكون ديانة، وأن ذلك من الخطأ البين، وهذا خروج من وصف الأمة بأنها أمة وسط وعدل، فإن مقتضى ذلك الدوران مع الشريعة حيث أمرت وأحلت، وحيث نهت وحرمت، ففي ذلك كل الخير، ولا يمكن أن يكون الخير في تحريم ما أحلته وأباحته على النفس.


(١) التحرير والتنوير (١/ ٥٩٨).
(٢) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (١/ ٣١٨).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٢٣ - ٢٤).

<<  <   >  >>