للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو حيان: "ولما ذكر تعالى أنه لا يغيب عن علمه أدق الأشياء التي نشاهدها، ناسب تقديم ولا أصغر من ذلك، ثم أتى بقوله: ولا أكبر، على سبيل إحاطة علمه بجميع الأشياء، ومعلوم أنّ من علم أدق الأشياء وأخفاها كان علمه متعلقا بأكبر الأشياء وأظهرها" (١).

قال ابن سعدي: " {وما يعزب عن ربك} أي: ما يغيب عن علمه، وسمعه، وبصره ومشاهدته {من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} أي: قد أحاط به علمه، وجرى به قلمه، وهاتان المرتبتان من مراتب القضاء والقدر، كثيرا ما يقرن الله بينهما، وهما: العلم المحيط بجميع الأشياء، وكتابته المحيطة بجميع الحوادث، كقوله تعالى: {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير} " (٢).

[[نصر المؤمنين ورعايتهم سنة كونية شرعية]]

قال تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣)} [سورة يونس: ١٠٣]

٦. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "هذا التعبير من أعجب إيجاز القرآن المعجز الذي انفرد به في العطف على محذوف، وهو ذكر شيء يدل دلالة واضحة على أمر عام كسنة اجتماعية تستنبط من قصة أو قصص واقعة، ثم يأتي بجملة معطوفة لا يصح عطفها على ما قبلها من الجمل، فيتبادر إلى الذهن وجوب عطفها على ذلك الأمر العام، بحرف العطف المناسب للمقام، بحيث يستغنى به عن ذكره" (٣).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب السنن، في مسألة نصر المؤمنين ورعايتهم سنة كونية شرعية، بدلالة اللفظ.

وجه الاستنباط: في الآية عطف على محذوف، من قوله (إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم)، وهذا الأسلوب من أعجب إيجاز القرآن المعجز، وهو ما يسمى عند أهل العربية إيجاز الحذف، وهذا يتضمن من المعاني أكملها وأشملها لما تدل عليه الآية من معنى في سنن الله عز وجل في نصر المؤمنين ورعايتهم.

وإلى هذا أشار جمع من المفسرين منهم، الزمخشري فقال: "ثم ننجي رسلنا معطوف على كلام محذوف يدل عليه قوله {إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم}، كأنه قيل: نهلك الأمم ثم ننجي رسلنا، على حكاية الأحوال الماضية والذين آمنوا ومن آمن معهم، كذلك ننج المؤمنين مثل ذلك الإنجاء ننجي المؤمنين منكم، ونهلك المشركين" (٤)، ومثله البيضاوي والنسفي، والرازي، وأبو حيان، وأبو السعود (٥)، وغيرهم (٦).


(١) البحر المحيط (٦/ ٧٩).
(٢) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٣٦٨).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١١/ ٣٩٧).
(٤) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٣٧٣).
(٥) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٣/ ١٢٥)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (٢/ ٤٣)، مفاتيح الغيب (١٧/ ٣٠٧)، البحر المحيط في التفسير (٦/ ١١٠)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٤/ ١٧٨).
(٦) انظر: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (٦/ ١٨٣)، فتح القدير (٢/ ٥٤١)، التحرير والتنوير (١١/ ٢٩٩)، زهرة التفاسير (٧/ ٣٦٤١).

<<  <   >  >>