للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقيها، في كتاب القضاء، في مسألة إقامة الدليل على الدعوى، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: طلب الله من اليهود والنصارى برهانا على كلامهم، وما احتجوا به، فأرشد لعدم قبول الأقوال إلا بعد إيراد الأدلة وإعمال النظر فيها وتوجيهها، والبرهان أو الدليل إما أن يكون نقليا أو عقليا، فأبطل بهذا التقليد وما ينشأ عنه من الجهل والتبعية.

ثم قرر أن قاعدة "لا دعوى بلا دليل" لا توجد في غير القرآن، وهذه مزية للقرآن على غيره من الكتب السالفة والأمم السابقة حيث لم يطالبوا في تلك المرحلة السابقة لنزول القرآن إلا بتقليد أنبيائهم وفعل ما يؤمرون.

قال القرطبي: "طلب الدليل هنا يقضي إثبات النظر ويرد على من ينفيه" (١).

وقال الزمخشري: "وهذا أهدم شيء لمذهب المقلدين، وأنّ كل قول لا دليل عليه فهو باطل غير ثابت" (٢).

وقال الرازي: "دلت الآية على أن المدعي سواء ادعى نفيا، أو إثباتا، فلا بد له من الدليل والبرهان، وذلك من أصدق الدلائل على بطلان القول بالتقليد" (٣).

وممن قال بهذا أيضا البيضاوي، وأبو حيان، والألوسي، وابن سعدي (٤).

قال ابن عاشور: "وأتى بإن المفيدة للشك في صدقهم مع القطع بعدم الصدق لاستدراجهم، حتى يعلموا أنهم غير صادقين حين يعجزون عن البرهان، لأن كل اعتقاد لا يقيم معتقده دليل اعتقاده فهو اعتقاد كاذب، لأنه لو كان له دليل لاستطاع التعبير عنه ومن باب أولى لا يكون صادقا عند من يريد أن يروج عليه اعتقاده" (٥).

[إثبات صفة العلو لله جل جلاله، وأنه لا تحدّه جهة ولا يحصره مكان]

قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة: ١١٥].

١٤. قال الشيخ -رحمه الله-: "وأقول: بل هو فوق كل شيء بائناً منه" ثم قال: "فهذه الآية تثبت لنا قاعدة من أهم قواعد الاعتقاد، وهي أن الله - تعالى - لا تحدّه الجهات، ولا تحصره الأمكنة" (٦).


(١) الجامع لأحكام القرآن (٢/ ٧٥).
(٢) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ١٧٨).
(٣) مفاتيح الغيب (٤/ ٦).
(٤) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٣٨٤)، البحر المحيط (١/ ٥٦٣)، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (١/ ٣٥٨)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (١/ ٦٢).
(٥) التحرير والتنوير (١/ ٦٥٦).
(٦) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ٣٥٧ - ٣٥٨)، وقوله " أقول" من عبارات الشيخ رشيد للفصل بين كلامه وكلام شيخه محمد عبده.

<<  <   >  >>