للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الرازي: "ثم إنه لما صحح مذهب نفسه بهذه الدلائل عاد إلى تقرير ما ذكره أولا، وهو التوحيد والمنع من البخس بقوله: ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ثم بين لهم أن سبق الكفر والمعصية منهم لا ينبغي أن يمنعهم من الإيمان والطاعة لأنه تعالى رحيم ودود يقبل الإيمان والتوبة من الكافر والفاسق لأن رحمته وحبه لهم يوجب ذلك، وهذا التقرير في غاية الكمال" (١).

وقال البيضاوي: "واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه عما أنتم عليه، إن ربي رحيم عظيم الرحمة للتائبين، ودود فاعل بهم من اللطف والإحسان ما يفعل البليغ المودة بمن يوده، وهو وعد على التوبة بعد الوعيد على الإصرار" (٢).

وقال الشيخ ابن سعدي: " {واستغفروا ربكم} عما اقترفتم من الذنوب {ثم توبوا إليه} فيما يستقبل من أعماركم، بالتوبة النصوح، والإنابة إليه بطاعته، وترك مخالفته، {إن ربي رحيم ودود} لمن تاب وأناب، يرحمه فيغفر له، ويتقبل توبته ويحبه، ومعنى الودود، من أسمائه تعالى، أنه يحب عباده المؤمنين ويحبونه" (٣).

[[التحذير مما وقعت فيه الأمم من مواقعة المعاصي والمحرمات]]

قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩٤)} [سورة هود: ٩٤]

٦. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "ومن دقيق نكت البلاغة في الآيات قوله -تعالى- في إهلاك مدين هنا: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا} [سورة هود: ٩٤] إلخ، فعطف "لما" على ما قبلها بالواو، ومثله في قوم هود، ولكنه عطفها بالفاء في قصة ثمود (٦٦) وقصة قوم لوط، ووجه هذا الأخير أن الآيتين جاءتا عقب الإنذار بالعذاب واستحقاقه وحلول موعده فعطفتا بالفاء الدالة على التعقيب، وأما عطف مثلهما في قوم هود وقوم شعيب فليس كذلك، فعطف بالواو على الأصل في العطف المطلق، وأما الأول فظاهر لأنه ليس قبل الآية وعيد بالعذاب، وأما الثاني ففيه وعيد مسوف فيه مقرون بالارتقاب لا الاقتراب، فلا يناسب العطف عليه الفاء التي تفيد التعقيب بدون انفصال، فهل تصادف مثل هذه الدقائق اللغوية في غير القرآن؟ " (٤).


(١) مفاتيح الغيب (١٨/ ٣٩٠).
(٢) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٣/ ١٤٦).
(٣) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٣٨٨).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٢/ ١٢٤).

<<  <   >  >>