للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال البيضاوي: "واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه تمثيل لغاية قربه من العبد كقوله تعالى: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وتنبيه على أنه مطلع على مكنونات القلوب مما عسى يغفل عنه صاحبها، أو حث على المبادرة إلى إخلاص القلوب وتصفيتها قبل أن يحول الله بينه وبين قلبه بالموت أو غيره" (١)، وبنحوه قال أبو حيان، وأبو السعود (٢).

قال ابن سعدي: "حذر عن عدم الاستجابة لله وللرسول فقال: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} فإياكم أن تردوا أمر الله أول ما يأتيكم، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم، فإن الله يحول بين المرء وقلبه، يقلب القلوب حيث شاء ويصرفها أنى شاء. فليكثر العبد من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب، اصرف قلبي إلى طاعتك" (٣).

[[أعطى الله على بذل الأسباب أضعافها وحرم على منعها كذلك]]

قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (٦٠)} [سورة الأنفال: ٦٠]

٨. وقال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "وهذا التقييد لإعداد المستطاع من القوة ومن رباط الخيل بقصد إرهاب الأعداء المجاهرين والأعداء المستخفين وغير المعروفين، دليل على تفضيل جعله سببا لمنع الحرب على جعله سببا لإيقاذ نارها، فهو يقول: استعدوا لها ليرهبكم الأعداء عسى أن يمتنعوا عن الإقدام على قتالكم، وهذا عين ما يسمى في عرف دول هذه الأيام بالسلام المسلح، بناء على أن الضعف يغري الأقوياء بالتعدي على الضعفاء، ولكن الدول الاستعمارية تدعي هذا بألسنتها وهي كاذبة في دعواها أنها تقصد بالاستعداد للحرب حفظ السلم العام" (٤).


(١) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٣/ ٥٥).
(٢) البحر المحيط في التفسير (٥/ ٣٠٢)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٤/ ١٦).
(٣) تيسير الكريم الرحمن (ص: ٣١٨).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٠/ ٥٧).

<<  <   >  >>