للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الاستنباط مما تفرد به الشيخ، فلم أجد فيما وقفت عليه من كتب التفسير من تكلم عنه أو أشار إليه.

[[التدرج منهج الأنبياء في الدعوة إلى الحق]]

قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣)} [سورة البقرة: ٢١٣]

٤٠. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "قال تعالى: (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)، الإتيان بهذه القضية بعد وصف الأنبياء بالمبشرين المنذرين يدل على أن التبشير والإنذار عمل يسبق إنزال الكتب وهو حق؛ لأن الأنبياء أول ما يبعثون ينبهون قومهم إلى ما غفلوا عنه، ويحذرونهم عاقبة ما يكونون فيه من عادة سيئة أو خلق قبيح أو عمل غير صالح، فإذا تهيأت الأذهان لقبول ما بعد ذلك من تشريع الأحكام وتحديد الحدود، أنزل الله الكتب لبيان ما يريد حمل الناس عليه مما هو صالح لهم على حسب استعدادهم" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الحكمة في دعوة الأنبياء لأقوامهم، في مسألة التدرج هو منهج الأنيباء في الدعوة إلى الحق، بدلالة العطف والتقديم في الذكر.

وجه الاستنباط: وظيفة الأنبياء هي البشارة والنذارة لأمر عظيم قامت عليه الحكمة من خلق الله لهم، واحتاج هذا إلى تهيئة عقولهم وأنفسهم لقبول هذا الأمر، وبالتالي قبول الشرائع المنزلة في الكتب على الأنبياء بعد ذلك، وما فيها من بيان للعقائد الصحيحة وتحليل الحلال وتحريم الحرام، والعمل بها لتحقيق غاية العبودية لله.

وهذا المعنى أشار إليه أبو حيان حيث قال: "وقدم البشارة لأنها أبهج للنفس، وأقبل لما يلقي النبي، وفيها اطمئنان المكلف، والوعد بثواب ما يفعله من الطاعة، ومنه: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [سورة مريم: ٩٧]، وانتصاب: مبشرين ومنذرين، على الحال المقارنة، وأنزل معهم الكتاب بالحق: معهم حال من الكتاب، وليس تعمل فيه أنزل، إذ كان يلزم مشاركتهم له في الإنزال، وليسوا متصفين، وهي حال مقدرة أي: وأنزل الكتاب مصاحبا لهم وقت الإنزال لم يكن مصاحبا لهم، لكنه انتهى إليهم، والكتاب: إما أن تكون أل فيه للجنس، وإما أن تكون للعهد على تأويل: معهم، بمعنى مع كل واحد منهم، أو على تأويل أن يراد به واحد معين من الكتب، وهو التوراة" (٢)، ومثله قال أبو السعود (٣).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٢٢٦).
(٢) البحر المحيط (٢/ ٣٦٤).
(٣) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (١/ ٢١٤).

<<  <   >  >>