للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال جمع من المفسرين: الآية محمولة على معنيين: الأول: أن المراد بالتحريم المنع، أي أنه منع على نفسه نوعا من الطعام دون اعتقاد تحريمه، فمجرد الامتناع يسمى تحريماً، وهو إنما فعله إما وفاء بالنذر وإما تداوياً، الثاني: أنه اجتهاد منه أقرّه الله عليه (١).

قال ابن جرير: "أولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل من قبل أن تنزل التوراة، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من غير تحريم الله ذلك عليه، فإنه كان حرامًا عليهم بتحريم أبيهم إسرائيل ذلك عليهم، من غير أن يحرمه الله عليهم في تنزيل ولا وحي قبل التوراة، حتى نزلت التوراةُ، فحرّم الله عليهم فيها ما شاءَ، وأحلّ لهم فيها ما أحبّ. وهذا قول قالته جماعة من أهل التأويل" (٢).

قال ابن عطية: " وذهب كثير من المفسرين إلى أن معنى الآية: الرد على اليهود في قولهم في كل ما حرموه على أنفسهم من الأشياء: إنها محرمة عليهم بأمر الله في التوراة، فأكذبهم الله بهذه الآية، وأخبر أن جميع الطعام كان حلا لهم، إلا ما حرم إسرائيل على نفسه خاصة، ولم يرد به ولده، فلما استنوا هم به جاءت التوراة بتحريم ذلك عليهم، وليس من التوراة شيء من الزوائد التي يدعون أن الله حرمها"، وزاد: "وانتزع من هذه الآية أن للأنبياء أن يحرموا باجتهادهم على أنفسهم ما اقتضاه النظر لمصلحة أو قربة أو زهد" (٣).

[[التحذير من مخالفة أمر الله والحث على الثبات على شرعه]]

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)} [سورة آل عمران: ١٠٢]

١٠. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وهذا النهي مبني على قاعدة أن المرء يموت غالبا على ما عاش عليه، فإذا عاش على اليقين حق التقوى والاحتراس مما ينافي الإسلام مات على ذلك بفضل الله الذي كانت تلك القاعدة من سننه في خلقه" (٤).


(١) أحكام القرآن الجصاص (٢/ ١٩)، الإكليل في استنباط التنزيل (٢/ ٤٧٦)، الجامع لأحكام القرآن (٤/ ١٣٥).
(٢) جامع البيان في تأويل آي القرآن (٦/ ١٠).
(٣) المحرر الوجيز (١/ ٤٧٢).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٤/ ١٧).

<<  <   >  >>