للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الدعوة، في مسألة التحذير مما وقعت فيه الأمم من مواقعة المعاصي والمحرمات، بدلالة اختلاف التعبير.

وجه الاستنباط: سبب اختلاف حرف العطف في قصتي ثمود وقوم لوط التي عطفت بالفاء أنها جاءت عقب الإنذار بالعذاب واستحقاقه، لأنهم قد وقعوا في المعصية الموجبة لذلك، وبين قصة قوم شعيب وهود التي عطفت بالواو على أنه وعيد مسوف فيه مقرون بالارتقاب لا الاقتراب، وهذا تحذير لهم مما وقع فيه غيرهم من الأمم من مواقعة المعاصي والمحرمات.

ولم يشر إلى هذا المعنى إلا ابن عاشور حيث قال: "عطف لما جاء أمرنا هنا وفي قوله في قصة عاد {ولما جاء أمرنا نجينا هودا} [هود: ٥٩] بالواو فيهما وعطف نظيراهما في قصة ثمود فلما جاء أمرنا نجينا صالحا [هود: ٦٦]، وفي قصة قوم لوط {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها} [هود: ٨٢]، لأن قصتي ثمود وقوم لوط كان فيهما تعيين أجل العذاب الذي توعد به النبيئان قومهما ففي قصة ثمود فقال: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب} [هود: ٦٥]، وفي قصة قوم لوط {إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب} [هود: ٨١]، فكان المقام مقتضيا ترقب السامع لما حل بهم عند ذلك الموعد فكان الموقع للفاء لتفريع ما حل بهم على الوعيد به" (١).

[[إهلاك المصلحين ظلم ينزه الله -جل جلاله- عنه]]

قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (١١٧)} [سورة هود: ١١٧]

٧. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "والآية تدل على أن إهلاك المصلحين ظلم فلذلك يتنزه الله عنه" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الظلم، في مسألة إهلاك المصلحين ظلم ينزه الله عنه، بدلالة المخالفة.

وجه الاستنباط: بعد أن ساق المعاني في هلاك الظالمين بين أن الله لا يهلك الصالحين المصلحين لأنه ظلم ينزه عنه الله جل في علاه، وإن كان في تلك القرى المهلكة أناس صالحين وعمهم العذاب فهو ليس من باب ظلمهم وإنما هو جارٍ على سنة الله في الهلاك، من أن الهلاك للظالمين يعم والنجاة للمصلحين يخص.

وإلى هذا أشار أبو جعفر فقال: "يقول تعالى ذكره: وما كان ربك، يا محمد، ليهلك القرى، التي أهلكها، التي قَصَّ عليك نبأها، ظُلمًا وأهلها مصلحون في أعمالهم، غير مسيئين، فيكون إهلاكه إياهم مع إصلاحهم في أعمالهم وطاعتهم ربّهم، ظلمًا، ولكنه أهلكها بكفر أهلها بالله وتماديهم في غيِّهم، وتكذيبهم رُسُلهم، وركوبهم السيئات" (٣)، ومثله قال البغوي (٤)، ونقل ذلك الألوسي وأبو حيان (٥).


(١) التحرير والتنوير (١٢/ ١٥٤ - ١٥٣).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٢/ ١٥٩).
(٣) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١٥/ ٥٣٠).
(٤) معالم التنزيل في تفسير القرآن (٢/ ٤٧٢).
(٥) روح المعاني (٦/ ٣٥٦)، البحر المحيط في التفسير (٦/ ٢٢٦).

<<  <   >  >>