للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الرابع

المآخذ على تفسير المنار

على الرغم من المكانة المتميزة التي احتلها تفسير المنار في سياق حركة التفسير الحديثة، وموقعه المؤثر في مجمل حركة الفكر الإسلامي في العصر الحديث، فقد تعرَّض إلى انتقادات كثيرة من قِبل فئات عدة، يأتي في مقدمتهم بعض علماء المدرسة السلفية الحديثة، وطائفة أخرى من العلماء، يمكن تصنيفهم ضمن علماء المؤسسة الدينية الرسمية، والمؤسسة الصوفية الشعبية.

[ومن أبرز ملاحظات المدارس التفسيرية على تفسيره]

١. تساهل رشيد رضا -رحمه الله- في ذكر بعض التأويلات، وتأويل بعض المعجزات، وردّ بعض الأحاديث النبوية، وانفراده ببعض الآراء الفقهية (١)، وقسوته أحياناً على بعض العلماء السابقين، اتباعاً أعمى من رشيد رضا لمنهج شيخه محمد عبده الذي أسرف في نظرهم في الاعتماد على العقل والرأي في التفسير، ولم يشفع لرشيد رضا أمام هؤلاء العلماء ما ذهب إليه، بعد وفاة شيخه، من ترجيح مذهب السلف على مذهب الخلَف العقلي، وأخذه الواضح بمقومات المنهج الأثري في التفسير، وتوسعه الكبير في الاقتباس من أمهات التفسير المعتمدة عند أهل السنة والجماعة، فقد بقي في نظرهم وفي مؤلفاتهم، أحد نماذج العلماء المسلمين الذين انهزموا فكريا أمام الغرب المتقدِّم، والذين قدَّموا من أجل التوفيق بين الإسلام، وبين حضارة الغرب الغالبة تنازلات على حساب خصوصية الإسلام، ومنهجه المستقل في العقيدة والتشريع، ولعل أهم من يمثل علماء هذه المدرسة هو الدكتور فهد الرومي أحد أبرز العلماء السعوديين المعاصرين (٢).

٢. وقد تعرّض رشيد رضا وتفسيره إلى نقد طائفة أخرى من العلماء، يمكن تصنيفهم ضمن علماء المؤسسة الدينية الرسمية، والمؤسسة الصوفية الشعبية، فقد وجَّه إليه بعض علماء هاتين المدرستين انتقادات شديدة بسبب زحزحته المكانة التقليدية المرموقة التي كان يتمتع بها كل من الفقهاء التقليديين، وشيوخ الطرق الصوفية في المجتمع، وذلك من خلال الحملة العنيفة التي قام بها على صفحات تفسيره على التقليد المذهبي وعلمائه (١٢/ ٢٢٠ - ٢٢١)، وعلى البدع والخرافات الدينية الشائعة الذيوع في كثير من البيئات الصوفية الطُرقية، ومن خلال دعوته اللاهبة في مقابل ذلك إلى إحياء روح الاجتهاد، وروح الزهد والتزكية وفق نصوص الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح فقط، ولقد تركزت معظم انتقادات هذا الفريق من العلماء على الميول السلفية والوهابية التي ظهرت جلياً في تفسير المنار، بالإضافة إلى تأويله لبعض المعجزات، وإنكاره لكثير من الكرامات التي يدعيها شيوخ الطرق الصوفية، ونذكر من علماء هذه الطائفة التي تصدت لرشيد رضا، الشيخ الأزهري المتصوف يوسف الدجوي (ت ١٩٤٦ م) الذي قاد حملة صحفية قوية ضد رشيد رضا، على صفحات مجلة الجامع الأزهر آنذاك "نور الإسلام"، واتهمه باتهامات خطيرة، مثل: إنكار الملائكة والجن، وإنكار بعض المعجزات، والإيمان بمذهب دارون، وردّ بعض الأحاديث الصحيحة، ونشر مقالاته تلك في كتاب سماه "صواعق من نار في الرد على صاحب المنار"، الأمر الذي دفع رضا للرد، وتبيين حقيقة وسلامة موقفه إزاء القضايا التي اتهمه فيها، في مقالات عديدة جمعها ونشرها في كتاب سماه: (المنار والأزهر) (٣).


(١) انظر على سبيل المثال ما ذهب إليه من أن المسافر يجوز له التيمم، حتى لو كان الماء بين يديه، ولا يوجد أي مانع يمنعه من استخدامه إلا كونه مسافراً، تفسير المنار، ٥/ ١٢٠ - ١٢١
(٢) انظر على سبيل المثال، منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير، ٨٠٩ ـ ٨١٢، رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ٣٣٣ - ٣٣٩
(٣) انظر: رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ٤٧٧ ـ ٤٧٨.

<<  <   >  >>